يطلق الناس من مختلف الديانات على المسيحية لقب "ديانة المحبة". البعض يطلقها إعجابا لسموها والبعض استخفافاً إذ بحسبهم تعاملات المحبة في عالم القسوة والضراوة غير ممكنة. يقولون: كيف نحب كما يطلب الإنجيل (ويشمل هذا حتى محبة العدو) في عالم يكره، يؤذي، يتربص بالشر ويحارب؟
لكن حقيقة الأمر هي أن العالم بأكمله مؤسس على المحبة، وبدونها ينحدر في منزلق جمود وجفاف وبرية قاتلة.
تحداني احدهم مرة أن أجد فيلماً سينمائياً لا يدور موضوعه حول المحبة، وفعلاً لم أجد. فالأفلام تدور حول حب الجنسين، حب الوطن، حب الذات، حب الأم، حب العائلة، حب العلم، حب الدين، حب الطبيعة. وحيث أن الأفلام هي انعكاس للصيرورة الحياتية –فيصعب علينا تخيّل معنى للحياة دون محبة.
يطلع علينا العالم بعيد الفلانتاين (البعض يسميه عيد الحب او عيد العشاق) الذي يحل في الرابع عشر من شباط. يسرع الرجال لشراء الورود الحمراء لزوجاتهم والشباب لحبيباتهم. تعج محلات الملابس والمجوهرات بالعشاق الذين يقتنون الهدايا لكي يقدموها في الأجواء الرومانسية لنصفهم الثاني (في تلك اللحظة من الزمن. إذ أحيانا كثيرة يتغيّر هذا النصف الثاني ويتبدل).
يكتب العشاق كلمات الغزل المبتكرة او المنقولة فيرسلونها للحبيب/ة على كرت أو بالبريد الالكتروني أو الرسالة المكتوبة على الهاتف النقّال أو الفيسبوك...
انه عيد الحب الرومانسي ولكن مفهوم ذلك غير واضح. هل هو حب الوفاء والتواضع والاشتراك وخدمة بعض وربط مصير الواحد بالآخر في ايام الفرح وأيام الترح أم هو حب الإعجاب والمظهر الخارجي والخيال الجامح، النزوة واللذة الوقتية؟ هل هو ثابت ام متغيّر؟
لا عجب أن يسمي الناس إيماننا المسيحي "ديانة المحبة" إذ أن الكتاب يسمي إلهنا "الله محبة" (1 يو 4 : 16) وكل ما لفظه أو عمله غمس في بحر محبته.
لقد زرع الرب في أسمى خليقته –الإنسان- غريزة المحبة . نبع المحبة تدفق بالمحبة لخليقته.
طبعاً لكل محبة مرحلة من النضوج . فبما يختص بالمحبة بين الجنسين- فهي تبدأ عند الذكر مثلاً بمحبة أمه، وبعدها حاضنته، فمعلمته، فبنت صفه الظريفة، فبنت الجيران الجميلة، ثم الفاتنة التي التقى فيها في النادي، وبعدها زميلته الساحرة في الجامعة، وبعدها الخطيبة والزوجة، فبنته وآخرهن حفيدته. ليست هذه اللائحة علميه ولا هي منزلة. فقد يتغيّر ترتيبها وقد تختفي منها فتيات في مراحل مختلفة، كما قد تكون بنت الجيران هي الخطيبة مثلاً وهي نفسها الزوجة. الحب الطفولي قد يصبح رومانسيا شبابيا ليتحول فيما بعد لمحبة عشرة وتعامل وتضحية. كل عمر ونوع محبته.
كيف نقيّم نوعية المحبة لنصبو الى ارقاها وأحسنها؟ إن أفضل طريقة هي بالاستفسار عن سعرها.
ان اغلى محبة في الوجود هي تلك التي استلزمت ان يخلي رب المجد يمين العظمة ويتأنس ويسكن بيننا ويسير الى الصليب وهناك يموت عن البشر. قطرة دم من جنب رب المجد على الصليب هي اغلى ثمن دُفع مقابل المحبة. إنها أكثر ثمناً من كنوز الأرض قاطبة. إنها محبة تضحية من خالق الكون وحامله بكلمة قدرته.
هذه المحبة تتغلغل في الكيان وتتفرع منها للآخرين. انها محبة تبغي خير الغير لان مصدرها هو رب الخير. منبعها سماوي فتصل النفوس بلمسة حنان من صاحب الحنان.
قد يعترض احدهم بأنه يتوجب الا نخلط بين عيد العشاق والحب (الفلانتاين) وبين محبة الله اذ ما لهذا ولذاك.نقول لهؤلاء ان مصدر الخير والمحبة موجودة عند الرب الاله وهو وضع فينا غريزة الحب ونحن لا نشجبها. لكننا ندعو لوضعها في سياقها الصحيح ولأن نحتفل بها كرافد من محبة الإله.
تشدني أبيات ترنيمة "قصة الحب العجيب" وخاصة البيت الذي يقول" كل حب في الوجود نبعه حب يسوع، كل حب في كياني رده حب يسوع".
من يهيئ نفسه كآنية للمحبة الالهية سيمتلأ منها وهكذا سيملأ الدنيا منها- في عيد العشاق –الفلانتاين- وفي كل يوم في السنة.