قال السيد المسيح: "أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يُملّح؟" (مت 5: 13). نستطيع أن نسأل هذا السؤال من منظار علمي فنتساءل: هل يفسد الملح المعروف بكلوريد الصوديوم أو NaCl؟ والجواب العلمي البسيط هو النفي. فكيف يتحدث المسيح عن فساد الملح؟ يختلف المفسرون في إجابة هذا السؤال. فيتحدث البعض عن مادة الجبس (Gypsum) التي تختلط بالملح. وتختلف المادة عن الملح بتركيبتها الكيمائية (CaSO4.2H2O). ولكنها لا تختلف عن الملح بالشكل. وعندما تختلط بالملح يفقد الملح ملوحته وفعاليته. ويضيف آخرون أن مفتاح فهم هذا النص هو تفسير كلمة "فسد". فالكلمة اليونانية المستخدمة (μωραινω - مورينو) تُستخدم عادة للحديث عن الغباء. ولقد استخدمها متى عندما تحدث عن الرجل الجاهل الذي بنى بيته على الرمل إذ سمع أقوال الله ولم يعمل بها. واستخدمها أيضا عندما تحدث عن العذارى الجاهلات اللواتي افتقرن إلى الاستعداد الصحيح لقدوم الرب. وليس المقصود هنا فقدان الذكاء العلمي بل الافتقار إلى الذكاء الروحي.
ويبقى السؤال: ماذا يريد المسيح أن يقول لنا؟ علينا أن ندرك أن قول المسيح يسبقه التطويبات (مت 5: 1 – 12) ويتبعه الأعمال الحسنة المرئية (مت 5: 16). فلا نستطيع أن نكون مؤثرين في العالم بدون تغيير حقيقي في القلب وبدون أن تصبح الفضائل المسيحية جزءا من هويتنا المسيحية. ولا نستطيع أن نكسب العالم للمسيح بدون أعمال حسنة تدفع الناس إلى تمجيد الله وإلى بداية رحلة الإيمان. فليس كل من يقول "يا رب يا رب" هو ملح خال من الفساد. تعلقنا بالسيد المسيح وتمسكنا بالله وبكل وصاياه مفتاحُ تأثيرنا في العالم. وتمسكنا بالمسيح يدفعنا إلى التأثير على البشر من حولنا بقلب مليء بالمحبة. ويدفعنا أيضا إلى نشر القيم والفضائل المسيحية حيثما يوجد ظلمة. وهنا أتساءل هل تَرْكُنا للتحديات السياسية في بلادنا يتوافق مع دعوة المسيح أن نكون ملح الأرض؟ هل تركنا للتشريعات التي تتحكم بحياة البشر وللقوانين التي تضع معايير العدالة متوافق مع إيماننا المسيحي؟ هل ابتعادنا عن القادة السياسيين وحرمانهم من التفاعل مع السيد المسيح يساهم في نشر البركة في بلادنا؟ ليس السؤال عن أي بقعة في الأرض يجب أن يكون الملح متواجدا فيها. وليس السؤال عن أي منطقة مظلمة يجب أن يدخل إليها نور المسيح. ولكن السؤال هو كيف نذهب إلى هناك دون أن يفسد الملح؟ وربما يكمن الجواب في النتائج التي تقول "ليروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت 5: 16).