صارع المسيحيون عبر العصور في تحديد العلاقة بين إسرائيل العهد القديم وكنيسة العهد الجديد. واستمر الصراع بصور لاهوتية متنوعة إذ سعى المفكرون والمفكرات إلى تحديد موقف الكنيسة من اليهود. فهل هم شعب الله اليوم؟ وهل يوجد شعبان لله واحدٌ يهودي والآخر مسيحي؟ وهل مازال عهد الله مع إسرائيل في العهد القديم ساري المفعول اليوم؟ وكيف نفهم الوعود لشعب إسرائيل في العهد القديم؟ وما علاقة هذا العهد باليهود اليوم؟ هل تمت في المسيح أم أنها ستتم في المستقبل؟ وبالرغم من اتفاق أتباع المسيح على أهمية هذه الأسئلة إلا أن الإجابات تنوعت واختلفت واحتد النقاش في كثير من المرات.
ولقد بدأ التفاعل بين أتباع المسيح واليهود منذ بداية خدمة السيد المسيح. وكان المسيحيون الأوائل من اليهود ثم انضم إلى الكنيسة شعوب وأمم من كل الخلفيات. وأصبح أتباع المسيح اليهود أقلية في الكنيسة. ولكن السؤال عن علاقة شعب إسرائيل في العهد القديم والكنيسة برز كموضوع مهم منذ القرن الأول للمسيحية. وبرز السؤال في جو مشحون بالعداء بين أتباع المسيح وبين اليهود الذين لم يؤمنوا به. وتحدث الكثير من آباء الكنيسة عن رفض الله لليهود وعن أن الكنيسة هي إسرائيل الحقيقي. وبيّن العديد منهم أن عهد القلب والروح بيسوع المسيح حلّ محل واستبدل عهد الحرف مع شعب إسرائيل وأن الكنيسة تحل محل شعب إسرائيل. ورأوا أن الكنيسة هي إسرائيل الحقيقي وأن وعود العهد القديم هي للكنيسة وليست لليهود الذين رفضوا المسيح. بالرغم من هذا آمن بعض الآباء، مثل أوغسطين، أن اليهود سيرجعون إلى المسيح في آخر الأيام. وبقي السؤال عن علاقة الكنيسة بشعب إسرائيل في العهد القديم يشغل فكر الكثير من اللاهوتيين واللاهوتيات إلى هذا اليوم. فبرزت أربع مدارس فكرية:
أولا، تؤمن المدرسة التقليدية في لاهوت العهود (Traditional Covenantal View) أن وعود الله لشعب إسرائيل قد انتهت وتمت في المسيح.
ثانيا، تؤمن المدرسة التقليدية في لاهوت التدابير (Dispensationalism) أننا يجب أن نميّز بين إسرائيل والكنيسة فوعود الله لشعب إسرائيل ستتم حرفيا في المستقبل. وسيملك شعب إسرائيل أرض الموعد. وسيبقى شعب إسرائيل متميزا عن الكنيسة إلى أبد الآبدين.
ثالثا، تؤمن المدرسة التقدمية في لاهوت التدابير أن وعود الله لشعب إسرائيل ستتم في الحكم الألفي، فترة ألف سنة يحكم فيها المسيح الأرض. وسيملك شعب إسرائيل أرض الموعد في الحكم الألفي فقط وبعد ذلك ستصبح إسرائيل والكنيسة جسدا واحدا. وبالرغم من أن وعود العهد القديم تتحقق في المسيح بصورة ما إلا أنها ستتحقق أيضا في الحكم الألفي.
رابعا، تؤمن المدرسة التقدمية في لاهوت العهود أن شعب إسرائيل سيخلص في المستقبل ولكن شعب إسرائيل ما زال اليوم موضوع محبة الله وحدقة عينه.
وسنشرح هذه المدارس الأربع في سلسلة من المقالات فاحصين الكتب لكي نعرف كيف نفهم علاقة الله مع الشعب اليهودي حولنا وكيف تشّكل هذه العلاقة علاقة الكنيسة مع الشعب اليهودي! وسنفحص أيضا أبعاد وتداعيات هذه العلاقة على أتباع المسيح الفلسطينيين وأتباعه اليهود.