كتلاميذ للمسيح وضعنا الرب كل في موقعه لهدف ان نكون شهادة حية له في ذلك الموقع. كعرب فلسطينيين انجيليين هدفنا مطابق ويتوجب علينا ان نخدم شعبنا ونهديه لسبيل النور الحقيقي. ولكي نخدمه ولنكون منارة له، يتوجب ان نشعر معه ونعيش تحدياته ونشاركه باحلامه. لكن التحدي يكمن اننا كابناء انجيليين للشعب الفلسطيني الساكن في اسرائيل – نلاقي ضغطاً متواصلاً من فئات قريبة منا لكي تجعلنا نرفض تعريفنا كفلسطينيين. ويظهر للوهلة الاولى وكأن الرفض المذكور شكلي ولكنه بالحقيقة جوهري. اذ بتنكر شخص ما لهويته، فانه يتنكر لتاريخه ولطموحات وتتطلعات شعبه.
فالمؤسسة الحاكمة في اسرائيل التي نتشارك في جنسيتها تسعى لابعادنا عن هويتنا الفلسطينية لأنها في صراع دامي وطويل مع الفلسطينيين وتريد من رعاياها ان ينسلخوا عن هذا الشعب. ومثلهم يفعل كثير من الانجيليين في الغرب والذين يسعون لابعادنا عن هويتنا الفلسطينية لدعمهم السياسي لدولة اسرائيل. اما اليهود المسيحيين (المسيانيين) وهم قريبون منا ايضاً لتقارب لاهوتهم للاهوتنا الانجيلي فقد اتخذوا مواقف هي في جوهرها مواقف سياسية يمينية متطرفة . يعود الامر الى سببين رئيسيين: الاول- صيغة لاهوت آخر الايام التي يؤمنون بها وايمانهم بدور خاص للشعب اليهودي ولاسرائيل كتجسيد لنبوة كتابية فيه . والثاني- محاولاتهم للتقرب من الشعب اليهودي الرافض لهم في اسرائيل واتخاذهم منحى سياسيا يمينيا يزيد حتى في تطرفه عن ذلك السائد في البلاد في السنين الاخيرة. اليهود المسيحيون هم ايضاً يضغطون بدورهم على الانجيليين الفلسطينيين العرب لكي يتنكر هؤلاء لهويتهم الفلسطينية. وحيث ان العالم المسيحي الانجيلي الغربي يغدق على اليهود المسيحيين اموالاً طائلة فان هذه الاموال تستخدم هي ايضاً للضغط.
مما تقدم يتضح ان هناك ضغط متتالي ومركّز على الانجيليين العرب من فلسطيني البلاد ترافقه مغريات مالية وامتيازات لمن هو قريب من السلطة - وكلها تهدف لتنكرنا لهويتنا الفلسطينية.
لكن من الجهة الاخرى – ولكي تكون رسالتنا حقيقية وذات تأثير ، علينا ان "نتجسد" (بذات مفهوم ابن الله المتجسد الذي عاش في ارضنا) للحياة مع فلسطينيي البلاد. لن يكون باستطاعتنا الوصول لشعبنا برسالة يسوع ان لم نحب هذا الشعب . ولن نحبه اذا نكن لحم من لحمه - نقدّره ونريد الخير له.
وعلى ارض الواقع -ما هو نهج الحياة بما يشمله من ثقافة، حضارة ومواقف سياسية واجتماعية التي يتوجب ان نتجسد للعيش مع شعبنا فيها، اذا شئنا اتمام مأموريتنا التي اوكلنا بها الرب للوصول لشعبنا؟
ثقافياً- اننا مجموعة سكانية جذورها عربية فلسطينية وعاداتها من هذه البلاد. من جهة - نحب شعر محمود درويش واغاني مرسيل خليفة وفيروز وعمر كمال وهيثم خلايلة ونضحك على ستاند اب عدي خليفة ونعتز بنجاح البروفيسور حسام حايك. من جهة اخرى نحكي العبرية احياناً احسن من العربية ونحضر اخبار القنال الثانية الاسرائيلية ونفحص موقع هأرتس او واي نت ولا نخجل من مشاهدة ذا فويس الاسرائيلية حتى لو يشترك فيها عربي.
أما من الناحية السياسية- شعبنا الذي نصبو لنخدمه ونهديه يشعر انه مواطن درجة ثانية ويسعى للمساواة كاقلية قومية فلسطينية في اسرائيل. كما انه في سواده الاعظم يؤمن بضرورة احقاق العدل مع الشعب الفلسطيني عن طريق اقامة دولة فلسطينية بجانب اسرائيل وتعويض اللاجئين الذين هجروا من قراهم في عام النكبة.
كيف تستوي الضغوط من جهات عديدة ضد الانجيليين من الفلسطينيين العرب في اسرائيل مع تفاعلهم وتضامنهم مع شعبهم وهي شرط لخدمة هذا الشعب؟ هل تقدر ان تنسلخ عن شعبك وهمومه وتحافظ على رسالتك المسيحية؟ بحسب رايي- الجواب القاطع هو بالنفي.
لا اجابات سحرية عندي لهذه المعضلة الا بضرورة الوقوف وقفة نبوية شجاعة امام الضغوطات وتفضيل التعاطف مع شعبنا والتجسد فيه لكي نحس بآماله وتحدياته وصعوباته واحلامه. هكذا نؤدي رسالتنا بالوصول له بمحبة المسيح. الخيار السهل والطريق الرحب هو نهج الانسلاخ ولكنه يقود لتقوقع في الذات، غربة وخيانة الامانة.