كتب بعض الاصدقاء مؤخراً في صفحاتهم الخاصة على "الفيس بوك" عن مذبحة الأرمن، مبدين كل التعاطف مع هذا الشعب الذي قُتل وهُجّر لا لسبب إلا لكونه مسيحياً. كما ويستمر الكثيرون بالكتابة عن أعمال داعش الإرهابية والبربرية مخصين بالذكر قتلهم للمسيحيين دون سبب سوى كونهم مسيحيين. لكني لاحظت من خلال أغلب الكتابات والتعليقات، تضامن من يكتب،خاصة من الإنجيليين، مع "أبناء دينهم" المسيحيين، بالرغم أننا كأنجيليين نرفض نسب أنفسنا لديانة بل لإيمان. وقد حيرتني هذه المواقف وجعلتني أشعر بعدم إرتياح تجاهها ولا قدرة على فهمها، وحركني بعض ما كُتب لأقف وأسأل بعض الأسئلة التالية:
أولاَ، إن الجماعات المسيحية التي تواجه هذا الاضطهاد الشرير والقاسي يقعون في خانة الجماعات التي صنفناها كإنجيلين بالمسيحيّة التقليديّة أو الإسمية، وهي تلك التي كنا قد أعلنّا في عظاتنا، وكتُبنا، ومنشوراتنا التبشيرية وحتى في محادثاتنا الكرازية مع أناس منها، أن ما يربطهم بالمسيحية هو فقط الاسم وأنهم بالحقيقة بعيدين كل البعد عن المسيحية وتعاليمها. لقد إتهمناهم أحياناً بالانحراف عن التعليم الصحيح وشددنا أن بعض طقوسهم تضلل الانسان عن الايمان القويم، وأظن أن القكرة قد وصلت. وهنا يأتي السؤال، كيف يصبح فجأة هؤلاء الجماعات التي أدرجناها ضمن من يعيشون في ظلام التقليد، والذين بحاجة لنور الانجيل، إخوتنا وجزء لا يتجزء من جسد المسيح في الشرق؟ نحن بلا شك بحاجة أن نعيد تقييم مواقفنا، فإن كنا لا نكّن الاحترام ولا التقدير لمن يحمل إيماناً مشابهاً لايمان المضطهدين هنا في مدننا وقرانا، فما هو سبب إهتمامنا وتعاطفنا وتضامننا ووقوفنا في الصف الواحد مع إخوتهم من نفس الكنيسة في المناطق المضطهدة؟ لماذا نعتبرهم مسيحيون هناك لكن ليس هنا؟ هل نعاني من إنفصام الشخصية، أم أننا ابتُلينا بداء التعصب البغيض، فأصبحنا نحب من يُضطهد بسبب كُرهنا لمن يَضطهِد؟ وفهمكم كافٍ!
ثانياً، أعلم أن بعض الإنجيليون يؤمنون بأن الحل للأمور من حولنا هي عن طريق الصلاة، وإن كنت لا أتفق معهم بأن الصلاة فقط هي الحل، فالصلاة برأيي يجب أن تكون مترجمة لمواقف وأعمال، لكني أحترم رأيهم، خاصة المصلين من بينهم. لكن كلامي هنا موجه لمن يكتب وينشر ويشارك عما يحدث، فهم على ما يبدو من كتاباتهم مهتمون بالناس المتألمة وما يمرون به من ظروف صعبة. لكن يأتي السؤال، لماذا يتم ذكر المسيحيين دون غيرهم مِن مَن يتألم أو تألم في الماضي. فمع كل تعاطفي مع الألم والمعاناة التي لاقاها الارمن من الأتراك، وما يلاقيه المسيحيون من وحشية واضطهاد من المجموعات الداعشية، إلا أن هناك شعوب أخرى في العالم عانت في الماضي وبعضها ما زال يعاني حتى يومنا هذا، والله يحب هذه الشعوب ومهتم بهم أيضاً، وعلى ما يبدو نحن نتجنب ذكرها لسبب أو لآخر. فلماذا على سبيل المثال نخاف أو نمتنع عن المشاركة والكلام عن أعمال الابادة التي قام بها النازيون ضد اليهود في القرن الماضي؟ هل نخاف أن يتهمنا أحد بخيانة شعبنا والتعاطف مع الشعب اليهودي؟ أوليس هذا شر يجب أن ندينه؟ ولماذا لا نذكر ما جرى في رواندا من ذبح وقتل؟ ألأنهم أفارقة لا يهمنا أمرهم؟ وماذا عن شعبنا الفلسطيني المتألم والمهجّر والمشتت؟ لماذا لا نذكرهم ضمن المتألمين والمنكوبين؟ هل صمتنا خوفاً من أن نُتهم بأننا نتدخل بالسياسة؟ كيف يمكن أن نفسر إهتمامنا بألم مجموعة دون الأخرى؟ أني بصدق لا أرى تفسيراً سوى كوننا مزدوجي الآراء والمواقف.
وأخيراً، إننا نعيش في عالم شرير يسوده الشر والخطية بأبشع صورها، ودورنا لا يقتصر على دينونة هذه الظروف المظلمة التي نعيشها، بل أيضاً أن نصنع تغييرا. نحن لم نُدعَ لنكون متفرجين ومعلّقين نتعامل مع الامور بجملة نكتبها هنا وبتغريدة نغردها هناك. لقد دعانا الرب كي نكون ملحا ونورا وسط هذه الظروف، وهذان العنصران هما عاملان مؤثران في البيئة حيث يتواجدان، وهذا بالتحديد المطلوب منا، أن نصنع تأثيرا، أن يكون لنا إيمان عامل، أن نكون أصحاب مواقف، نصلي الحق ونعيشه ونتكلم به ونسعى لتحقيقه دون استثناء احد. يجب أن ترى الناس أعمالنا الحسنة لتمجد أبانا الذي في السموات، وإلا سنكون كالمرائين، إذا تكلمنا فقط عن الفساد الذي حولنا بدون أن نعمل أمراً. لذلك، وفي هذه الاوقات العصيبة التي نعيشها في منطقتنا وبلادنا، ربما آن الأوان أن نعيد تقييم علاقتنا مع الكنائس التقليدية.أن نراجع أمورنا ككنائس وهيئات وأفراد ونسأل ما هو المثال الذي نُظهره وما هي الاعمال والخدمات والخطوات التي علينا أن نقوم بها لنُظهر محبتنا لجميع الناس من حولنا، بدون تمييز بين عرق أو دين، وبكل شجاعة، للمسلم واليهودي والمسيحي؟ بالطبع علينا إدانة الاعمال الوحشية ضد الارمن والمسيحيين في العراق وسوريا وليبيا، لكن يجب أن لا نتوقف هناك، فوحشية البشر جرس يدق لينبهنا حتى نستيقظ من وهم التعصب والفئوية ونسعى لنشر العدل ومقاومة الظلم حتى لو كان على حساب راحتنا. فإن لم نفعل هذا فلنفحص أنفسنا لئلا يكون ملحنا قد فسد بسبب تعصبنا أو أنفصام شخصيتنا.