اكتب هذه الرساله وقلبي موجوع بل وينزف الما بسبب الطريق الذي يحذوه الكثير من المسيحيين في ايامنا، وأخص بالذكر العرب منهم، من فلسطينيين وغير فلسطينيين.
لم أكن اعرف، شخصيا، أن هذا التيار آخذ في التصاعد ككرة الثلج المتدحرجه على سفح جبل مخيف، وذهلت من حجم بل وخطورة هذا الجرف الذي ينمو ويتغلغل في كنائسنا متخذا صبغه سياسيه بل وتحزبيه تعاطفا مع الشعب اليهودي، والاسوا متخذين من آيات الكتاب المقدس سبيلا إلى ذلك.
طبعا أؤكد، والله شاهد لذلك، ولمنع كل التباس او اساءة فهم ما نقول، اني أكن المحبه والاحترام لكافة الشعوب، بما فيهم اليهود، كيف لا وهكذا علمني سيدي ان احب كل الناس، حتى عدوي، وليس فقط ذلك بل اتحد ايضا بصلاتي مع بولس الرسول أن طلبة قلبي لهم هي للخلاص، كما وأؤكد اني لست "رجل سياسه" ولا أكتب هذا فقط كوني فلسطينيا، وأنا كذلك، بل كي نسلط الضوء على بعض الأمور من الجدير أن نفكر فيها بصلاة وتمعن تاركين كل أفكار مسبقه وفاحصين هل هذه الأمور هكذا كما نقرأ في سفر الأعمال. كما واؤكد أني أكن الاحترام، كل الاحترام، لأولئك الذين آمنوا بالمسيح من الخلفية اليهودية، ولا يمكن أن نخفي ما يعانونه من آلام الاضطهاد من شعبهم كونهم آمنوا بالمسيح واتخذوه ربا ومخلصا لحياتهم.
في هذا المقام نذكر نقطتين رئيسيتين مندمجتين احداهما بالاخرى: الأرض والوعود.
كي لا اطيل، الرأي الذي يأخذ منحاه بهذا الصدد هو أن أرض إسرائيل هي لليهود بحسب وعد الله لهم، والذي هو بلا ندامه كما يقول الكتاب، ولا ننكر ما كتب، حاشا، ولكن لا يمكن أن نستأصل الآيات من مضمونها الكلي، فالله ربط وعده هذا بإطاعة كلمته، وليس ذلك فقط بل إن تحقيق الوعد يتم بطريقته هو وليس بفكر وأساليب البشر، فالله لا يحتاج إلى يد البشر لإتمام ما وعد به.
إن الوعد بالأرض تم بعد أن خرج شعب إسرائيل من مصر وامتلك أرض كنعان، وكل وعد نطق به الله هو مستمر وبلا ندامه ولكن الآن في المسيح، كما يقول في روميه أن الله أغلق على الجميع كي يكون الخلاص بالمسيح وكذلك يؤكد في رسالته إلى أهل غلاطية أن الوعد يتم بالمسيح، ليس عن أنسال بل "بنسلك" أي المسيح، إذ يقول صريحا وبشكل لا يحتمل التفسير كالتالي:
"15 ايها الاخوة بحسب الانسان اقول: ليس احد يبطل عهدا قد تمكن ولو من انسان، او يزيد عليه. 16 واما المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي نسله. لا يقول:«وفي الانسال» كانه عن كثيرين، بل كانه عن واحد:«وفي نسلك» الذي هو المسيح. 17 وانما اقول هذا: ان الناموس الذي صار بعد اربعمئة وثلاثين سنة، لا ينسخ عهدا قد سبق فتمكن من الله نحو المسيح حتى يبطل الموعد. 18 لانه ان كانت الوراثة من الناموس، فلم تكن ايضا من موعد. ولكن الله وهبها لابراهيم بموعد."
بولس الرسول يؤكد في القطعة المكورة (غلاطيه 3 : 15 – 18) أن الموعد لا يمكن أن يكون وراثيا بل يتم "في نسلك" الذي هو المسيح، ولا وضوح أكثر من ذلك.
كاتب الرساله إلى العبرانيين يقول بوحي الروح أن العهد القديم هو ظل للأمور العتيدة، وهو المهيئ لمجيء المسيح، ويصف العهد القديم بعهد الناموس والحرف الذي شاخ وتحقق وتم بمجيء المسيح، وبالتالي اصبح حضور الله متاح لكل مؤمن بالمسيح بدلا من حضوره فقط في خيمة الاجتماع والهيكل، واجسادنا هي الهيكل للروح القدس بعد ان انشق حجاب الهيكل بموت المسيح على الصليب، وذبيحة المسيح كانت التحقيق للذبائح الحيوانيه التي قدمت في الماضي وكافيه لأن تكفر عن خطايا البشريه، وبالتالي تحولت أورشليم الارضيه إلى أورشليم السماويه والوطن الأرضي لوطن سماوي الذي نصبو إليه.
أن كل حق أرضي في هذه الحياه موصوف بفم الوحي ب"الحق الاخرس" (سفر المزامير 58)، فهو حق ولكن لا يتكلم، أي صامت وابكم، ويخاطب صاحب المزمور بني آدم بقوله "أحقا بالحق الاخرس تتكلمون بالمستقيمات تقضون يا بني ادم"، أي حق بشري أرضي ومادي ومحسوس، ولكن لا قوة له لأنه ابكم، فلو تحقق فهو لا يمجد اسم المسيح. بكلمات اخرى: كل حق لا يأتي بالمجد للمسيح فهو اخرس، ومجيء المسيح وفداؤه للبشر هو الحق المتكلم الذي يعطي حق الارض السماويه اي الحياه الابديه لكل من يؤمن به، وليس أرضا بشريه زائله التي نهايتها العطب والهلاك.
وإن كنا في صدد الحق على الأرض، فيسوع يجيب عن ذلك بحادثة وردت في انجيل لوقا 12 : 13 – 21، ملخصها أن "واحد من الجمع" يأتي إلى يسوع ويطلب منه أن يقول لأخيه أن يقاسمه الميراث، فيرد الرب قائلا: "يا إنسان من أقامني عليكما قاضيا أو مقسما ؟"، ثم يحذرنا الرب من الطمع، مع العلم أن هذا الشخص قد يكون مظلوما كون أخوه يرفض أن يعطيه حقه في الميراث، وهذا حق شرعي لم ينكره المسيح، ولكنه حذر من الطمع ومن "الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيا لله".
كل ذلك يتطابق مع كون الله عادلا وليس عنده محاباة (أفسس 6 : 9).