~~ينعم الله على أولاده ببركات أرضية، هذا بالإضافة للبركات الروحية التي حصلنا عليها بالمحبوب يسوع (أف 1 : 3). إن الرب يرغب بإشباع أولاده من دسم بيته على كل الأصعدة، فهو رب الخير والبركة، ووعده لنا بتسديد احتياجاتنا بحسب غناه في المجد (في 4 : 19).
في اعتقادي أنه من الطبيعي أن كل شخص يتمنى البركة لحياته وعائلته، وقد نحصل أحيانا على بركات كبيرة ووفيرة، فتكبر "الثروة" ويتضاعف "المعاش" وقد نحصل على ارتقاء بالوظيفة وما إلى ذلك ... طبعا لا نقول هنا أن هذا يحصل دائما لكل ابن لله من ناحية "كبر" الثروة، ولا نقول أيضا أنه إذا لم يحصل ذلك فهناك "مشكلة" في إيمان الشخص ... حاشا ... هذا يذكرنا بصلاة يعبيص في العهد القديم، الذي صلى قائلا: "ليتك تباركني وتوسّع تخومي وتكون يدك معي وتحفظني من الشر حتى لا يتعبني، فأتاه الله بما سأل" (2 أخ 4 : 10).
الحديث في هذا المقال سيتمحور حول أولئك الذين يحصلون على البركات الأرضية الوفيرة من لدن الرب، والسؤال كيف يتعامل هؤلاء مع تلك البركات التي في حيز أيديهم ؟! سنحاول في السطور القليلة القادمة الإجابة باختصار على هذا التساؤل مستعينين بأمثلة لشخصيات كتابية، أولئك الذين كثرت ثروتهم وكيفية تعاملهم مع ما حصلوا عليه من بركات غزيرة.
بما أننا بدأنا بصلاة يعبيص، نلاحظ تركيبة صلاته، فيطلب من الرب البركة وتوسيع التخوم، ثم يليها بطلب لا يقل أهمية عن البركة، ألا وهو أن يحفظه من كل شر كي لا يتعبه، فيعبيص علم وأدرك أن البركة قد تزيغ قلبه عن مصدر الخير والبركة، فاستجاب له الرب. في هذا الخصوص نقرأ كذلك عن سليمان الحكيم، الذي كان من أغنياء سكان الأرض، إن لم يكن أغناهم، الذي أدرك أن البركة قد تزيغ قلب الإنسان وتبعده عن الله، وللأسف فهو نفسه وقع في هذا المطب، فصلّى قائلا: "لا تعطني فقرا ولا غنى. أطعمني خبز فريضتي، لئلا اشبع واكفر واقول من هو الرب أو لئلا افتقر واسرق واتخذ اسم الهي باطلا" (أم 30 : 8 – 9).
من الجدير بالتأكيد أن البركة الأرضية، بدرجاتها المتفاوتة، تأتي على حياتنا كنتيجة لاتباعنا للرب، والخطر كل الخطر أن تصبح البركة هدفا نصبو إليه بكل حواسنا، عندها سنفقد الرسالة وسنزيغ عن الهدف الحقيقي، فيبدأ الشر باجتياح حياتنا فيتعبنا، ونطعن أنفسنا بأوجاع كثيرة (1 تي 6 : 10). إن الرب يمنحنا البركة كي نتمتع بها (1 تي 6 : 17)، وليس كي نتمسك بها وننساه، فتفتر حياتنا الروحية ونصبح أناسا ماديين خادمين للمال، والأسوأ من ذلك قد يكون إعطاء ذلك صبغة روحية عن طريق استعمال آيات كتابية، ولكن بالمكان الخطأ، وذلك كي نقنع أنفسنا، وربما الآخرين أيضا، أن الرب هو هدفنا الأسمى، بينما حياتنا الفعلية تقول عكس ذلك تماما.
تعامل الملك داود مع بركات الرب بشكل رائع وصحيح، ولكن وقع في خطية الزنى والقتل عندما لم يخرج مع الشعب للحرب، وبقي في بيته (2 صم 11). بالرغم من أن داود وضع الرب بالمكان الأول ولم يحد عن طرقه، بل ووُجد بحسب قلب الله (أع 13 : 22)، إلا أنه أخطأ عندما وضع سلاحه جانبا فانقض عليه الشيطان وغلبه. عندما نحصل على البركة، أو البركات، يجب أن نبقى حاملين سلاح الله الكامل فنحفظ أنفسنا وقلوبنا من الشر ومن الشرير (أف 6 : 10 – 20). أما سليمان الملك فقد أزاغت قلبه البركات وابتعد عن الله عابدا آلهة أخرى (1 مل 11 : 1 – 4). نقرأ كذلك عن حزقيا الملك، كيف أن الله باركه بإضافة خمس عشرة سنة على حياته وملكه بعد أن صلّى بدموع، إلّا أنه، وللأسف، لم يستثمر هذه المدة بشكل صحيح وأساء استعمال هذه البركة التي منحه إياها الله (من فضلك قراءة 2 مل إصحاح 20). كذلك شمشون القاضي، الذي منحه الله قوة خارقة لإنقاذ شعب الرب، زاغ قلبه والتصق بامرأة خاطئة فخسر رسالته وحياته (قض 16). بالمقابل، نقرأ عن أيوب كيف تمسك بالرب في حالة اليسر والعسر، فأبقى الله دائما نصب عينيه، بالرغم من كل البركات التي كانت له، وكذلك كان حاله عندما سمح الله بسحب البركة من حياته، فنال الطوبى والإكرام المضاعف من قبل الله.
صلاتنا إلى الرب أنه مهما كان حجم البركة التي حصلنا عليها من الله، أن نتعامل معها بقلب متواضع، أن يحفظ الله قلوبنا لئلا تزيغ عن الهدف الرئيس والمأمورية التي دعينا إليها، حاملين سلاح الله الكامل كل حين ومثبتين انظارنا نحو رئيس الإيمان ومكمله.