امتلأ فسيح الفضاء الافتراضي وبالذات مواقع التواصل الاجتماعي بنقاشات حامية الوطيس في الاسبوع الأخير. اصحاب الخط الوطني- القومي (أو الوطنجي – حسب وجهة نظر المتكلم) انتقدوا عدم السماح برفع العلم الفلسطيني في المظاهرة ضد حرق كنيسة الطابغة والسماح برفع اعلام الفاتيكان فقط.. جواب مؤيدي موقف منظمي المظاهرة شدد بأن الحركة الاسلامية تقوم بذلك الاقصاء منذ زمن طويل- والبادي اظلم. في محور آخر - انتقد العلمانيون الليبراليون الشيخ كمال خطيب على ما جاء في مقال لاذع له عن "قرفه" (بحسب تعبيره) من زواج المثليين في اوروبا. اقصى الشيخ المثليين معبرا عن ذلك بكلام قاس. اما ما وراء المحيط وفي امريكا تحديدا، فقد قررت المحكمة العليا ان تعريف الزواج المعترف به في البلاد منذ الآن فصاعداً سيشمل زواج المثليين . الكنائس الانجيلية المحافظة والكاثوليكية والطوائف اليهودية المحافظة تخشى اليوم من فرض ذلك عليها ومعاقبتها على تمسكها بموقفها حسب الكتاب المقدس القاضي بان الزواج هو ما الاتحاد ما بين رجل واحد وامرأة واحدة، فقط لا غير. في الوقت الذي شكى المثليون فيه سابقا من الاقصاء انقلبت الآية اليوم ,المحافظون اليوم هم الضحية والذين يخشون من المصير نفسه.
ما يجمع بين النقاشات الثلاثة هو : حرية تعبير الانسان عن هويته (مسيحي، مثلي، مسلم وغيره) ونهج حياته بحسب هذا التعريف والذان يتضاربان بشدة مع العقيدة الدينية، فاين المنفذ؟
بحكم تعريفها- تدّعي العقيدة الدينية او الايديولوجية بأنها تحتكر الحق وكل الحق . ولكن هذا لا يعني مثلا اني كانسان مؤمن انجيلي اتخذت تعليم الرب لي في الكتاب المقدس عقيدة لي ومنهج حياة - انه يتوجب ان الغي واشطب الآخر. اؤمن اني عرفت الحق ومن محبتي للغير اتمنى ان يحذو حذوي، ولكن ورغم ذلك، اقبل الآخر وان اختلفت معه بشدة. لن افرض عليه ايماني ويتوجب ان اتعلم العيش مع هذا الاختلاف. حتى لو رفضت عقيدة الآخر ولكن حقه ( كما حقي) ان يؤمن بما يشاء ويعيش حسبما اراد هو حق اساسي لا يمكن المساومة عليه اذا اردنا العيش المشترك. انها معادلة ليست بسهلة وتحتاج لمن يتقن ممارسة فن التعايش معاً . المحافظة على هذا التوازن هي عملية شاقة ولكن لا مفر من اجرائها.
الصعوبة تكمن في حالة ان ايمان ومنهج حياة الآخر لا يستويان مع عقيدتي فحسب بل ويمسّان بامكانيتي ان اعيش انا نفسي ايماني أو أن اطبق عقيدتي على ارض الواقع. اعتقد ان حق الفرد وحريته ان يعيش حسب ايمانه وتعريفه لهويته يتغلب على رغبتي أن اطبّق ايماني وافرضه على الجميع. لا مفر الا القبول على مضض ان اناساً من حولي يعارضون فكري وعقيدتي ويتوجب الا احاول فرض ايماني بالقوة.
من السهل قبول هذه المبادئ حين تنتمي الى الاقلية الدينية فتطالب الاغلبية ان تعاملك وابناء عقيدتك باحترام وقبول. ولكن الامتحان هو قبول ذلك حين تكون قوياً فتعامل الاضعف والاقل عدداً بحسب نفس المبدأ. بعض الحركات "تتمسكن حتى تتمكن" فتكون نصيرة حقوق الانسان حتى تصل للسلطة فعندها ينقلب حالها فتصير من اسوأ المضطهدين للغير. ان هذا يدل على الازدواجية والمراءاة في التعامل.
حتى من وجهة نظر المصلحة الضيقة- فان نتائج عمل صاحب العقيدة الاقصائية التي تعزل وتضطهد الآخر، سيقود حتماً في الامد القريب او الابعد قليلاً الى انقلاب الحال والى ملاحقة المضطهَد للمضطهِد ولاستمرار دائرة الانتقام والتناحر.
كشخص مؤمن قد تقبل حق المثلي ان يتزوج ويقيم بيتا ولكن يتوجب الا يفرض احد عليك ان تقبل ما وصفه الله كخطية بانه مقبول عندك. يتوجب ان تقبل حق الوطني القومي الذي يرى كل شئ بمنظار الصراع العربي -الاسرائيلي وبأن ينادي بذلك. لكن وبالمقابل يتوجب ان ذاك لا يجبرك على الغاء تعريفك لنفسك وقد وضعت تعريفك الديني فوق باقي التعريفات.
لا مفر من وضع حرية الضمير فوق الكل.