داعش، أي الدولة الإسلامية في العراق والشام، هو تنظيم أرهابي بكل معنى الكلمة. ويتبنى التنظيم فكرة الدولة الدينية التي تحاول إقامة الخلافة الإسلامية. ويستخدم النظام وسائل القتل اللانسانية والوحشية بهدف القضاء على أي مقاومة نفسية أو عسكرية تقف في طريقهم. ونختلف مع داعش بسبب قيمهم وأخلاقياتهم التي تتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس.
لا يقبل مفسرو الكتاب المقدس المسيحيون فرض الدين بالقوة أو بالجزية. يحاول الداعشيون بالقتل والتعذيب والإرهاب نشر معتقداتهم بينما يؤكد الكتاب المقدس على حرية اختيار الإنسان لإيمانه. وقد يظن البعض أن سفر يشوع لا يختلف عن داعش. ربما هناك بعض الحق في هذا الأمر ولكن ليس الحق في مقارنة يشوع بالداعشيين بل بمقارنة الأمم الشريرة التي قتلها يشوع بالداعشيين. فكلاهما فقد الحس الأخلاقي وتصرفوا كخليقة الشيطان وليس كخليقة رب الكون. كلاهما نشر حضارة شيطانية وثقافة تخلو من الرحمة حتى للأطفال. وهكذا بعد صبر الله على الفساد الداعشي في كنعان لأكثر من 400 سنة ارسل الله يشوع ليقضي على حضارتهم وينزعها عن الوجود. وحتى في ضوء العهد الجديد تتطلب قداسة الله وبره وعدله التعامل مع الشر بصورة لا تستثني الدينونة للأشرار أو تستثني القضاء الكامل على الحضارات الشريرة.
يعترض الكثيرون على الله لأنه قبل بالقضاء على الحضارة الداعشية في كنعان ويتهمونه بالعنف غير المبرر او بالإرهاب. ربما من المفيد لنا أن نفصّل هذا الاتهام إلى اتهام قضائي وأخلاقي ولاهوتي. أولا، لنتحدث عن الاتهام القضائي. هل يشوع مذنب قضائيا؟ لو افترضنا أننا نسكن بدولة تقبل حكم الإعدام وصدر حكم الاعدام الكهربائي ضد أحد المُدانين. ثم ضغطت على الزر الكهربائي وتم حكم الاعدام. فهل تُعتبر قانونيا قاتلا؟ لا تدين أي دولة من ناحية قضائية الشخص الذي نفذ حكم الإعدام. وهكذا لا نعتبر الله أو يشوع مذنبين قضائيا لأن تنفيذ تعليمات الله في نظام ثيوقراطي (حكم الله) يشابه تنفيذ التعليمات القضائية في الدولة.
ثانيا، ماذا عن الدائرة الأخلاقية؟ فهل نقول أن يشوع وإلهه غير مُدانين قضائيا في ثيوقراطية كنعان ولكن موقفهم غير أخلاقي؟ أحد المبادئ الأخلاقية الواضحة في العهد القديم هو قانون العقاب المتناسب: عين بعين وسن بسن. ولقد وُضع هذا القانون ليمنع انتشار العنف بين القبائل والشعوب وليحاسب الظالم مع سبق الإصرار والترصد. والمبدأ الأخلاقي هنا هو قياس كمية الضرر ووضع عقاب متناسب مع الضرر. فإذا قتل شخصٌ إنسانا. وربما قتله في بضع لحظات فإننا لا ندين المذنب بضع لحظات فنسجنه بضع لحظات ثم نطلقه، بل ربما نسجنه مدى الحياة. والسبب هو أن العقاب يجب ان يتناسب مع الضرر. وهكذا بعد أن صبر الله على الحضارة الداعشية في كنعان أكثر من اربعة قرون أصدر حكمه بإعدام هذه الحضارة في أرض محددة وبشعوب محددة وفي زمن محدد بهدف نشر العدالة الثيوقراطية. خطيتهم اساءة للإنسان المخلوق على صورة الله وبالتالي اساءة لله نفسه. ولاهوتيا نستطيع أن نقول أن خطيئتهم قتلت ابن الله الوحيد، اعظم ضرر عرفته الأرض والسماء.
ثالثا، هل ما زال الله يتصرف بحسب الثيوقراطية زمن يشوع؟ وكيف تنعكس تصرفاته على هويته وعلاقته مع خليقته؟ بعد أن تعاملنا مع السؤال القضائي والسؤال الأخلاقي يأتي الآن دور السؤال اللاهوتي. لا نستطيع أن نقرأ حدثا واحدا في الكتاب المقدس ونعممه كمبدأ لكل الأجيال والشعوب او لكل زمان ومكان. فلقد سمح الله لرحاب في أريحا وللجبعونيين ولمعظم سكان كنعان أن يبقوا أحياء ما داموا مستعدين للتخلي عن الحضارة الداعشية الكنعانية. قصد الله أن يقضي على الشر وليس على الإنسان. ومازال الله يعلن حربه ضد الشر. وتتنوع وسائل الله في تحقيق مقاصده. فلقد حد من انتشار الشر في الثيوقراطية الكنعانية ولكنه قضى على الشر في الصليب وبدلا من مبدا العقاب المتناسب نشر المسيح ثقافة المحبة لمقاومة الشر. ونرى الآن الشر يترنح قبل أن يسقط أرضا. وكلما نشرنا حضارة المحبة المتمحورة حول السيد المسيح وموته وقيامته كلما اسرع سقوط الشر. وسأكمل الحديث عن هذا الموضوع في مقال آخر لئلا يطول الحديث.