عيد يمضي وآخر ياتي، وبين هذا وذاك تمر ساعات وأيام وشهور، وبين العيد والآخر تسير الأحداث مزاحمة للزمن، المسرعة منها والبطيئة، المحزنة والسعيدة، تارة تضحكنا وأخرى تبكينا، مرة ترفعنا واخرى تعثرنا، منها تأتي من بنات أعمالنا ومنها بغير إرادتنا...
ووسط ضوضاء الانشغال وذروة الأفعال يمر وحش قد لا نشعر بوجوده ونكاد لا نقشعه - الزمن ... نعم، هو الزمن الذي لا تستطيع قوة على وجه البسيطة إيقافه أو حتى تعويقه أو تاجيله ... فيوم يمضي وآخر ياتي بدقة ما بعدها دقة، ويلحقهما أسبوع تلو الاخر، فيمضي الشهر يسابقه آخر وتتبعهما سنة تلو السنة، وكل على عجلة من امره، وما ذلك إلا مؤذنين بمهمة يتحتم تحقيقها في عالم حكم عليه بالزوال والفناء.
نقول "وحشا" ليس بالضرورة للدالة السلبية، إنما للدلالة على قوته اللا منهزمة عبر عقود التاريخ. من البشر من يلاحظه ومنهم من يجهل وجوده او يتجاهله محاولين بذلك غرز رؤوسهم بالارض وكأنه وهم أو خرافة، وبالتالي يعيشون يومهم دون حساب المستقبل أو ما بعد الحياة وكأنهم ازليون، منغمسين بمشغوليات الحياة وتياراتها الجارفة ...
وبينما يحث هذا الوحش خطاه، يحاول عقل البشر خداعه، فتارة يخاطبه قائلا: مهما جريت فأنا ما زلت يافعا وستخور قواك يوما ما ولن تلحقني أو تدركني، وتارة أخرى يخدر العقل المنطق البشري فيقف المرء متفرجا غير آبه لهذا الوحش المترصد خلف قارعة الطريق، فسرعان ما يدركه ويخطفه إلى حيث لا رجوع.
ما اقساها من حالة، فيها يعمى ذهن الإنسان عن إدراك حقيقة وواقع، قد يعتبره البعض مرا وآخرون قرب الحياة الأخرى وشريحة من المجتمع قد تتجاهله محاولة بذلك التملص منه. مهما ظن هذا أو ذاك، فالوحش ات لا محالة، شئنا أم ابينا، والأيام تدور بنا والسنين تجري بعربات حصان الزمن حاثة خطاها للأجل القريب.
السؤال الهام بمكان: كيف نتعامل مع هذا اللا مرئي ... فبما انه حقيقة مثبتة لا يمكن تجاهلها، وأن تجاهلناها يوما أو غفلنا عنها فآن الأوان كي نعتبرها خير اعتبار، حان الوقت كي ندرك أن الحياة ثمينة لدرجة أن كل لحظة تمر في سفينة هذا الزمن لن تعود، لذا جدير بنا أن نعير الحياة اهتماما احرى وانتباها أكبر ونراجع حساباتنا للتجهيزات للحياة الاخرى، فلا يداهمنا ذاك الوحش بغتة، لا بل عندها سنعيش حياة حقيقية في ظله وسوف نفتح ذراعينا لاستقباله غير خائفينه.
قال المسيح: أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل، وهو الذي وعد بالحياة الأبدية لكل من يقبله، لذا ففي كلتا الحالتين، أن كنا ما زلنا في سفينة الزمن أم غادرناها، فالمسيح هو الضمان لحياة أفضل.