يا رب ألهب قلوبنا بقيامتك
لوقا 13:24-35
تبدأ قصة تلميذي عمواس بشخصين عاديين يذكر الكتاب اسم واحد منهم فقط، وهو كليوباس، ويعتقد البعض ان الشخص الآخر هو لوقا وذلك بسبب درايته بالتفصيل الدقيقة لهذه القصة، كانا يسيران في طريقهما من أورشليم الى عمواس، يتناقشان ويتحاوران، يبدو عليهم مظاهر الحزن والأسى، ينضم لهم شخص ثالث في الطريق لم يعرفوه إلا لاحقاً. ولكي نستطيع فهم القصة بصورة أفضل ممكن تقسيمها الى 3 مشاهد مرتبطة ومختلفة:
المشهد الاول: قلب منكسر
نرى في هذا المشهد اثنين من التلاميذ بدل ان يعلنا رسالة المخلص المقام، نجدهم يتركوا اورشليم ويسيرا وحيدين، ونقاشهم كان "عن جميع هذه الحوادث"، اي الصلب والموت والدفن والأخبار المحيرة التي سمعوها من النسوة عن القبر الفارغ والتي اكدّها بطرس. منذ ان بدأوا بالسير كانا يتناقشا لكن بدون ان يكون لاحدهما جواب او فهم. ومن الواضح أنه كان يعتريهما:
الحزن ... عابسين (بسبب موت معلمهم). لقد كانوا مكتأبين وجوههم مكفهرة مليئة بالأسا. فهم عائدون من جنازة! وكما قال أحدهم "وجوههم عابسة وقلوبهم بائسة". فشل وخيبة امل، آمالهما ذهبت ادراج الريح (كنا نرجو.. لكنه لا ليس المسيا). لقد وضعوا صورة لما أرادوا هم أن يكون، وعندما لم تتحقق خابت آمالهما. افكار مشوشة (بسبب اخبار القبر الفارغ وتقرير النسوة). قالوا حيّرننا، رأوا منظر ملاك (ليس ملاك) وكأنهم يلمحو أن النسوة لم على الأغلب يتهيأ لهن هذا الامر.
هذه بداية طريق عمواس، ولربما سرت أنت أيضاً بهذه الطريق مرات عديدة. هذه الطريق التي نشعر فيه أننا متروكون من الله لأن الامور لم تسر بحسب توقعاتنا، فيعترينا الحزن والفشل واليأس والحيرة والارتباك، لا نعلم كيف نتصرف، نسأل اسئلة لكننا لا نجد اجوبة. والسبب أنه في هذا الوقت غالباً ما نركّز نظرنا على انفسنا وعلى افكارنا وطرقنا فلا نجد حل او جواب لما نحن فيه. لكن هذا المشهد يتغير بدخول شخص ثالث ليرافقهم.
المشهد الثاني: قلب منفتح
وبينما هما يسيران منهمكان بالنقاش والحديث، ادركهما يسوع وسار معهما. يستخدم لوقا تعبير جميل
اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما
وأُمسكت أعينهم عن معرفته. وربما السبب في فشلهم بالتعرف على يسوع الان له علاقة بعدم معرفتهم له قبل الصلب. فمن جوابهم ندرك أنهم فشلوا ان يفهموا بالفعل من هو ولماذا جاء الى العالم.
الذي كان إنسانا نبيا مقتدرا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب عد 19... ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل. عد 21
إن سؤ فهمنا لكلمة الله وشخصه ومشيئته، سيؤدي لعدم ؤية حقيقية له في حياتنا وبالتالي لخيبة أمل وفتور في علاقتنا معه. والله لا يرضيه هذا الامر لذلك أخذ المبادرة وابتدأ يسألهم:
ماهذا الكلام الذي تتطارحان به؟ عد 17
ما هذا الامر الذي يجعلكما عابسين عد 17
وبصورة ربما فيها بعض الاستهزاء والسخرية يجيبه كليوباس: يبدو انك الرجل الوحيد في كل اسرائيل الذي لا يعلم بما جرى؟ الم تسمع الاخبار؟ كل العالم يعرف الا انت. لكن الشيء الحقيقي المثير للسخرية هنا ان هذا الغريب هو الوحيد الذي يعرف ما جرى بالفعل. احيانا نكلم الله وكأنه لا يعرف حقيقة امورنا، وكأنه غريب عنها.
وأتساءل هنا لماذا لم يُظهر يسوع لهم ذاته منذ البداية وينهي الامر؟ لماذا كل الجهد والتعب والسير لمسافة ليست بقصيرة؟ من الواضح أنه أراد يسمعهما وينير ذهنيهما، وأراد أن يربط إختبارهم الشخصي بكلمة الله. فبرهان القيامة لديهما لم يأتِ من الأختبار فقط بل من كلمة الله أولاً. وهذا مبدأ يجب أن نتعلمه في حياتنا الروحية. وبصورة مفاجأة يبدأ هذا الغريب بتوبيخهما: الغبيان، بطيئا الفهم وبطيئا القلوب في الايمان
انهما كانا بطيئا الفهم لكلمة الله. لم يكن لديهم الدافع او الرغبة لمعرفتها. لكن ليس ذلك فقط بل كانا بطيئا القلوب في الايمان. لقد سارعوا ببناء ايمانهم بحسب فكرهم، وملكوت بحسب رغبتهم، وتجاهلوا النبوات عن المخلص المتألم الذي يجب ان يموت من اجل خطايانا. لقد كانت مشكلتهم انهم انتقوا ما ارادوا من الكتاب وتركوا القسم الآخر.
المشهد الثالث: قلب ملتهب
لكن هذه الضعفات في حياتهم أخذت في التغيّر عندما بدأ المسيح يكلمهم، وعلى الاغلب ان قلوبهم ابتدأت بالتجاوب مع شخص الله وكلمته. فلم يدعاه يمضي. لقد تظاهر يسوع، أي أنه اراد أن يضغطوا عليه ليدخل. وهم بالفعل تجاوبوا مع رغبته، فألزماه – المعنى لهذه االكلمة هو "استعمال القوة لتحقيق الشيء". لقد جرى أمر ما في الطريق جعلهما يتمسكان بهذا الشخص.
وعندما كسر الخبز عرفاه، لقد رأوا يديه الان، وانا كلي ايمان انهم قبل ان يعرفوه آمنوا ان الرب قد قام بالفعل، حتى وهم في الطريق. وهنا حصل تغيير جذري في حياتهم:
تغيرت نظرتهم: كانوا في حيرة- حيرننا. تحولت حيرتهم الى يقين. يسوع بالحق قد قام. تغيرت لهجتهم: يأس يتحول الى تشجيع. كلّمنا..قلبنا ملتهب بنا... تغير اتجاه حياتهم: رجعوا الى اورشليم
اصبح لهم رسالة الان وشهادة شخصية. وهذه رسالة القيامة لنا في هذه الايام، هي الرسالة التي تحول شكّنا الى ايمان وتملأ قلوبنا يقيناً وتعطي لحياتنا رسالةً وشهادةً.
المسيح قام... حقاً قام