في صيف عام 2007 فؤجئت عائلة المهندس سهيل مدنات بقرار غير مسبوق.
فقد قرر المهندس العامل لدى واحدة من أهم شركات الهندسة العالمية وهي دار الهندسة الاستقالة من عمله كمدير والالتحاق بكلية لاهوت في الولايات المتحدة وعلى نفقته الخاصة. الشغف الروحي لم يكن جديداً لكاتب والمؤلف لعشرات الترانيم ومدون قصص حياة خداماً وخادمات عملوا في حقل الخدمة المسيحية في الأردن والخارج.
لم يفهم كثير من الأقارب والأصدقاء سبب هذا القرار الصادم.
فلسان حالهم كان يقول: "من يفرط بوظيفة ممتازة للذهاب للحصول على شهادة ماجستير في الدفاعيات واللاهوت خاصة وأنه حاصل أصلاً على شهادة الماجستبر في إدارة المشاريع الهندسية من بريطانيا وعمل في هذا المجال بنجاح كبير ولسنين طويلة أهلته لأن يرتقي ليصبح - لو رغب- شريكاً في دار الهندسة؟"
كما كان غريباً للبعض رفض سهيل التقدم لأية منحة دراسية وهي متوفرة لمن يتقدم بالطلب لها. كان موقف سهيل أنه لا يريد أن يكون محسوباً على أية جهة مهما كانت. فقد قرر دفع بدل التعليم من جيبه علماً أنه كان عليه أيضا الصرف على تعليم أولاده الاثنين ليث ولؤي.
مرت ثلاث سنوات وعند عودة المهندس حاصلا على شهادتي ماجستير من كلية بايولا للاهوت في كاليفورنيا وإذ براعي ومؤسس الكنيسة المعمدانية في عمان القس فواز عميش يتواصل معه لرعاية الكنيسة بناء على إجماع لجنة الكنيسة وهكذا تمت رسامة سهيل كقس معمداني وتعيينه راعياً للكنيسة.
اشترط سهيل عند تعيينه أن يقوم برعاية الكنيسة دون مقابل، الأمرالذي فاجأ الجميع إذ تعتبر كنيسة عمان المعمدانية مقتدرة وتدعم رعاة في الأردن والخارج.
وبقي الكل يتساءل كيف سيسدد سهيل احتياجاته العائلية خاصة وأنه قرر أيضاً الاستمرار بالدراسة للحصول على شهادة الدكتوراة في اللاهوت من خلال برنامج يتطلب السفر مرتين في السنة للولايات المتحدة على حسابه الخاص.
ولكن الله يعمل بطرق عجيبة.
فالشركة التي كان يعمل بها سابقاً عرضت عليه العمل معها بصفة مستشار وبمخصصات تفوق ما كان يتقاضاه في العمل الكامل سابقا وبساعات أقل، مع القبول بشرطه ألا يعمل أيام الأحد بسبب خدماته الكنسية الصباحية والمسائية وسفره خارج البلاد عدة مرات كل عام لغاية الانتهاء من الدراسة.
مسؤولية الكنيسة لم تكن سهلة خاصة في ظل وجود انقسامات وتحزبات داخل الكنيسة وفي الطائفة المعمدانية. بدأ القس سهيل بهدوء وحكمة معالجة الأمور داخل الكنيسة وخاصة الخلافات الشخصية التي كانت تبعد روح الوحدة والعمل المشترك.
وانتقل للعمل في معالجة الأمور الطائفية من اختلاف عقائدي هنا وخلاف إداري ومالي هناك وضرورات لإيجاد حلول جذرية لوضع الطائفة، بما في ذلك الحاجة لتعديلات كبيرة في النظام الداخلي للطائفة المعمدانية.
إجتماع الهيئة العامة للطائفة يوم الجمعة 14 تشرين أول 2016 جلب مفاجأة جديدة.
كان القس سهيل قد قرر المشاركة في الانتخابات من أجل تطبيق الأفكار والتغييرات التي شعر مع زملائه من كنائس أخرى أنها ضرورية لتقوية وضع الطائفة المعمدانية والحفاظ على عقيدتها. ولكن سهيل لم يقم بأي حشد انتخابي أو محاولة لإقناع الأعضاء التصويت له. وحسب النظام الداخلي يتم انتخاب مجلس الطائفة أولا من قبل الهيئة العامة وثم تقوم الهيئة العامة بانتخاب رئيس للطائفة من المجلس.
كان من المفترض ان يتنافس 10 مرشحين على مقاعد المجلس الكنسي السبعة . القاعة في المدرسة المعمدانية كانت مكتظة بأعضاء الهيئة العامة من كافة الكنائس المعمدانية في المملكة كل منهم كان يحمل وثيقة التصويت انتظاراً ببدء العملية الانتخابية. ولكن قبيل البدء بالتصويت انسحب ثلاثة مرشحين مما يعني ان القائمة المتبقية من سبعة أشخاص فازت بالتزكية. ومن ثم بدأ التحضير لانتخاب رئيس الطائفة وتم وضع أسماء مرشحين أربعة على اللوحة في مقدمة القاعة ومن بينهم اسم القس سهيل.
ولكن مرة أخرى بدأت الانسحابات لصالحه وخلال دقائق لم يبقى سوى اسم القس سهيل عودة مدانات كرئيس بالتزكية للطائفة المعمدانية في الأردن للثلاث سنوات القادمة رافقها تصفيق حاد من الهيئة العامة.
في مستهل كلمة قصيرة بعد انتخابه، شكر القس مدانات الرئيس السابق القس جريس أبو غزالة وعبر عن سعادته بالأجواء الصحية التي سادت مؤخراً بين الخدام والتي قال أنها تعكس أجواء الوحدة والعمل المشترك. تلك التغييرات لم تحدث بالفراغ. لا شك أن تلك التغييرات جاءت بسبب وجود قادة متواضعين وضعوا مصلحة الطائفة أمام المصالح الفردية وشكلوا قدوة أمام الآخرين.
قبل تسع سنوات ترك المهندس سهيل مدانات مركزاً مهماً في حياته المهنية والتحق بكلية لاهوت استجابةً لدعوة إلهية. والآن وبعد ان تم انتخابه بالتزكية كرئيس للطائفة المعمدانية في الأردن لا بد من العودة والتأمل فيما قاله الرب يسوع في إنجيل متى 11:23،12
"وأكبركم يكون خادماً لكم. فمن يرفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع."