دروسٌ من التجّسدِ (يوحنا 1: 14)
قالَ، جون مكارتر، أحدُ الوعاظِ المشهورينَ، ماذا لو تحدّثنا عن عيدِ الميلادِ بدون شجرةٍ أو نجمٍ سماويٍّ ، وبدون سانتا كلوز الأحمر أو الهدايا الملفوفةِ بغلافٍ أخضرٍ أو المجوسِ أو الرعاةِ أو يوسفَ ومريمَ أو حتـى الطفلَ يسوعَ المقمّطَ في مذودٍ؟ كيف ستبدو القصةُ؟ وهل من الممكنِ أن نرويها؟ ثم أجابَ قائلا: هذا ما فعلهُ يوحنا في الفصلِ الأولِ من إنجيلهِ. لا شكَّ أنَّ الرسولَ يوحنا بن زبدي يقدمُ لنا طريقةً مختلفةً للتأمّلِ بنفسِ الحقائقِ العظيمةِ المتعلقةِ بالتجسدِ إذ يقولُ، "والكلمةُ صار بشرًا وحلّ بيننا ورأينا مجدَه، مجدًا كما لوحيدٍ من الآبِ مملوءًا نعمةً وحقًا" (يوحنا 1: 14). وعندما كنتُ أتأملُ في هذه الآيةِ العظيمةِ وفي هذا النصِ المباركِ، فكّرتُ بثلاثِ نقاطٍ تُقدمُها لنا كلمةُ اللهِ عن حياةِ التجّسدِ.
أولاً، تركَ اللهُ الابنُ السماءَ وحلّ بيننا. لقد اختار اللهُ أن يصبحَ مرئياً وملموساً ليؤمنَ الناسُ به. اختار اللهُ زماناً ومكاناً ليَظهرَ فيه. اختار اللهُ أن يستثمرَ قسماً كبيراً من وقتهِ ليكونَ معَ الذينَ يَخْدِمُهم. دونَ أن نستثمرَ الوقتَ لن نرى الثمرَ. إن الخدمةَ الناجحةَ خدمةٌ متجسدةٌ في موقعٍ جغرافيٍ محددٍ وضمنَ جدولٍ زمنيٍ محددٍ. زمكانيةُ الخدمةِ ضروريةٌ لنجاحِها، ولتحديدِ وسائلِ النجاحِ يجبُ أن نعرفَ الجمهورَ الذي نتعاملُ معهُ. فنفهمُ أنَّ هناك "الخاصةُ"، الأهلُ وشعبُ الوطن والأقرباءُ، الذين لن يقبلوا المسيحَ، ولكن ثمة أيضا "كل الذين قبلوه". لقد شددَ المسيحُ على أهميةِ أن تكونَ الخدمةُ مرئيةً فقال : "أنا هو نورُ العالمِ" ودعانا أيضا أن نكونَ نورَ العالمِ. وليس المقصدُ التفاخرَ بالنتائجِ والإحصائياتِ، بل نريدُ أن يرى الناسُ أعمالَنا الحسنةَ فيمجّدوا أبانا الذي في السمواتِ. ماذا يرى الناسُ عندما ينظرونَ إلى خدمتِنا؟ آن الأوانُ أن نفحصَ كيف ينظرُ المجتمعُ إلينا. هل يرون فينا يسوعَ ومحبتَه ولطفَه وإصرارَه على الحقِ وإنصافَه للمظلوم وتواضُعَه؟
ثانيا، يشدّدُ كاتبُ الإنجيلَ على ارتباطِ التجّسدِ بالنعمةِ وبالحقِ. لقد كانت خدمةُ يسوعَ مليئةً بالتعاملِ مع الذينَ لا يستحقونَ. خدمَ مع السامريةِ المنبوذةِ، ومع امرأةٍ خاطئةٍ أُمْسِكَتْ في زنى، ومعَ الذين اخطأوا إلى اللهِ وتذمّروا على الخبـزِ النازلِ من السماءِ، ومعَ الذينَ نفخوا أنفسَهم إلى درجةِ الإنفجارِ. خدمَ بلطفٍ مع القساةِ وبمحبةٍ مع الكارهينَ وبصبرٍ مع المستعجلينَ وبتواضعٍ مع الجميعِ. ووقفَ مع المظلومِ وقفة الأسدِ، ومع المجروحِ صار بلسماً للروحِ. إنه ينبوعُ النعمةِ. النعمةُ ضروريةٌ للخدمةِ الناجعةِ. وعندما نقتـربُ من يسوعَ تفيضُ فينا نعمتُه. فلنلجم اللسانَ ولتنحني الركبُ، فهذا طريقُ النعمةِ. والنعمةُ تعلّمُنا التواضعَ. فعندما نمتلئُ من النعمةِ ننـزلُ عن عروشِنا السماويةِ ونطرحُ التيجانَ الذهبيةِ مقرّينَ أننا غيرَ مستحقينَ أن نَفُكَّ سُيورَ حذاءِه.
ثالثا، عندما تفيضُ هذه النعمةُ في حياتِنا. يصبحُ الحقُ مسموعاً. وتتعدلُ موجاتُ الاستقبالِ عند الأحباءِ والأعداءِ. ليسَ الحقُ هنا مجّرَدَ قناعاتٍ ومعلوماتٍ، مع أنها ضروريةٌ. وليس الحقَ موقفي أو موقفك، مع أنك قد تكون على حق، ولكنه الحقُ الملتصقُ بالنعمةِ. إنه الحقَ الذي يخلقُ فينا الانفتاحَ للتواصلِ مع اللهِ. إنه الحقُ الذي يجعلنا نثقُ باللهِ وبقدرتهِ على تغييـّر بلادنا، بل تغييَـر كل العالمِ.
أستميحُكم عذرا إن كنتُ قد أطلتُ الكلامَ، وأستغفر ربي إن كنتُ قد قصّرتُ في شرحي ليوحنا 1: 14، ولكنني أناشدكم أمامَ الربِ أن تحلموا بقيامةِ الروحِ والكنائسِ والمجتمعِ من سُباتِ الخطيةِ والتكاسلِ وبالسيرِ نحو قمةَ الإيمانِ إذ نحتضن ربَ الأربابِ. لن نختبـرَ حياةَ القيامةِ دونَ خطوةِ التجسدِ. فلننكسرَ ولننسحقَ ولنتنازلَ ولنخسرَ كلَّ شيءٍ من أجلِ المسيحِ، فعندئذٍ سنربحُ كلَّ شيءٍ.