عجيب امر قصة المسيحية!
فقد بدأت بتجسد معطي الحياة نفسها دون زرع انسان في احشاء فتاة بسيطة من قرية مهمشة في الجليل المنسي والتي لا يخرج منها صالح.
ليتبعها بميلاد حجر الزاوية نفسه في مذود حقير في بيت لحم اذ لم يكن له مكان في المنزل. ويقوم يوسف ومريم باحتضان ملك الملوك ليهربوا به من بطش الملك السفاح ليجدوا لهم ملجأ في مصر.
ثم يترعرع من جلس عن يمين الآب في نفس الناصرة الوضيعة ويركض ويلعب في ازقتها الضيقة. وعند بداية خدمته اختار محير العقول وحامل اسرار السماء والأرض رجالا بسطاء وعاميين ليبتعوه فيدربهم. وبينما تجول خالق الكون المترامي الأطراف في الجليل واليهودية والسامرة لم يجد له اين يسند رأسه. وقلب الموازين أيضا بتعاليمه حين حث سامعيه ان يكونوا مساكين بالروح بدل جباري بأس وودعاء بدل قاهرين ورحماء بدل قاسيين وصانعي السلام بدل عاملي الحرب. حث على محبة العدو بدل كرهه والصلاة والصوم في السر بدل القيام بهما على رؤوس الاشهاد.
ولم يتوقف مسلسل المتناقضات حتى في أسبوع الآلام فقد بدأه ديان العالم المنصور بالدخول الى اورشليم راكباً على حمار بدل ان يمتطي فرساَ كما يليق بالغزاة فاتحي البلاد.
وبعدها بعدة أيام يستقرض حامل كل الأشياء مكاناً لقضاء عشاء الفصح مع تلاميذه. وخلال العشاء يحمل سيد الاسياد المنشفة والماء ليغسل أرجل تلاميذه الوسخة. ولم يجد ذلك الذي لا ينعس ولا ينام وهو يسهر علينا، من يسهر ويصلي معه في ليلته الأخيرة. وفي نفس الليلة يقبض الجنود على من نادى بالإطلاق للمأسورين ويسلم يهوذا الخائن بقبلة غاشة اوفى مخلصي البشرية. وبدل ان يستدعي رب الجنود كتائب من ربوات ملائكة السماء لنجدته عند الهجوم الغاشم من الجنود لتسليمه، يسلم نفسه طوعا عنا.
وتحكم قيادة اورشليم الدينية والسياسية زورا بالموت على من سيدين البشرية. وأهان الجنود واستهزأوا بصاحب الجلالة والمجد والسلطان الى الابد. وأنكره أقرب تلاميذه ثلاث مرات امام جارية ناسياً ان سيده هو الأمين. وعُلق أطهر الابرار على صليب العار بين مجرمين. وهناك البسوه اكليل شوك بدل اكليل الغار واكاليل المجد عند رجليه. شربوه الخل وهو نبع الماء الحي للبشرية. وهكذا يصير من لا يعرف خطية –خطية لأجلنا. ولم يكن لصانع الكل وحافظه مكان ليوضع فيه جسده بعد موته فأعاره غني قبر جديد.
وقصة التناقضات التي لا يمكن لبشر اختراعها تصل لنهاية غير متوقعة في قبر فارغ واله حي قام منتصراً على الموت. يا لها من نهاية مذهلة. القهر والألم والقتل يستبدلون بالحياة.
وكما قبل الفي عام - يشعر مسيحيو الشرق هذه الأيام بالعجز اذ يعانون الامرين – من بطش وحوش مجرمة من جهة وتخاذل السلطات وتكالب المتآمرين الصامتين من جهة اخرى. وإذ نتشجع قليلا من وقفة الشرفاء من جيراننا المسلمين، ولكننا نتعزى بأن فجر القيامة آت. والاله الذي بدى مستسلماً سيقوم ظافراً صبيحة يوم الأحد مشهراً الموت وقاهره وبموته سيهبنا حياة وقيامة بقيامته. ان الأحد لناظره قريب.
كل عام وانتم بألف خير.