سأتطرق في سلسلة المقالات التالية لموضوع الفكر اذ تم تغييبه في كنائس عديدة. وبالطبع أوضح منذ البداية أنى لا اقصد ان يستبدل الفكر والعقل والمنطق والحجة الايمان وهو ركيزة ايماننا. ولكن كنائس عديدة اتخذت "الايمان" ذريعة لتغييب العقل من الكنائس وبذلك اضعفت ارسالية الكنيسة الى ابعد الحدود وجعلتها مؤسسة عفا الزمن عنها وهمشت من المشهد اليومي لمجتمعنا. من هنا سأبدأ مقالتي بسرد لماهية الكنيسة وارساليتها وهو موضوع واسع وعميق ولا ادعي إني اغطيه، ولكن اجراء المسح البسيط التالي حيوي لسبر غور دور الفكر في خدمة الكنيسة في المقالات التالية.
للمسيحي امتيازات ومسؤوليات عديدة. وبشكل عام ودون ان نتوخى دقة التعبير اللاهوتي نذكر انه يطالب بالايمان والقداسة ومحبة الله ومحبة القريب وغيرها. بالمقابل تتلخص امتيازاته باعتباره ابناً للعلي، حاصل على بركات ابدية وزمنية، وحاصل على الحياة الأبدية وابواب السماء مفتوحة لسماع صلاته وغيرها.
ولكن المسيحي لا يعيش بمفرده فقد اعد الرب جسماً هو الكنيسة ليشارك ذلك الفرد كعضو فيها. وللكنيسة أوجه عديدة من الصعب حصرها وقد كتبت فيها آلاف المجلدات على مر العصور. ولكن يمكن الإشارة الى التعاريف التالية لها التي تسلط الضوء على هذه الأوجه وهي: جماعة المؤمنين، الحجارة الحية، عروس المسيح وجسد المسيح. انها مركز اهتمام الرب اذ فيها مؤمنيه المفديين بدمه، هي حاملة المأمورية العظمى والعابدة وهي تجمع سفراء الرب في العالم.
من زاوية أخرى – يمكن فهم طبيعة الكنيسة وارساليتها بواسطة عناوين عملها وفعاليتها:
1- تجاه الرب: الكنيسة هي جماعة عابدة وتسبيح وتعظيم للرب. بصلواتها وترنيمها وعبادتها هي ترفع اسم الرب وتملأ قلبه بالسرور. ليس ذلك فقط ولكن -بعملها وارساليتها وشهادتها وصيتها وما يعرفه الناس عنها، هي تعكس صورة الله. فان كان إيجابا - فرح قلبه وان سلباً تكون قد اساءت له. لا شك ان هناك توتراً بين ان ترضي الرب وتعمل مشيئته بالقداسة من جهة، وان تكون شهادتك وصيتك حسنا بين الناس من الجهة الأخرى. اذ ان قيم الناس الفردية والجماعية لا توافق بالضرورة المطلوبة من أعضاء الكنيسة. سأتطرق أكثر لهذه الناحية في المقالات القادمة.
2 - تجاه المؤمنين بعضهم لبعض: هي مدرسة لتعليم العقيدة ولإرشاد المؤمنين فيها كيف يعيشوا بحسب مشيئته. هي تشجع كل مؤمن وتنشر شجاعة الإيمان في حياة كل من ينتمي إليها. هي راعية للنفوس من قبل خدامها وتقدم التوجيه والإرشاد وحتى التأديب. ان أحد أهدافها هو تحفيز المؤمنين للقيام بدورهم وخدمتهم في الحياة.
3- تجاه من هم خارج الكنيسة: ان مسؤوليتها تكمن في الامتداد لمن هم خارجها (من افراد ومؤسسات وهيئات وسلطات) لتقربهم للمسيح بحسب المأمورية العظمى. ان المأمورية العظمى تسعى لكي يعرف الناس المسيح. ولكن من الخطأ اعتبار الرافد الوحيد لمعرفة الناس للمسيح هو عملية ميكانيكية نوصل للناس تفاصيل عملية فداء الله للبشر بالمسيح وندعوهم لقبول هذه العمل. لكي نصل للمرحلة التي نستطيع فيها المشاركة بعقد تمتعنا باحتمالات قبول أكبر يتوجب ان نستوفي عدة شروط: 1- على الكنيسة ان تتوجه برسالة الخلاص بالشكل اللائق والمناسب. ان التحدي الكبير هو ان تتلاءم الرسالة مع بيئة وثقافة وعقلية وظروف الناس الذين تشاركها معهم. 2- يتوجب على الكنيسة كجماعة وكأفراد ان تكون مثار تقدير في المجتمع: برسالتها العامة، بحياة افرادها وخدمتهم ككنيسة وكأفراد لصالح مجتمعهم وشعبهم. يتوجب ان الكنيسة والافراد يكونون ذوي صيت وشهادة حسنة بين الناس لكي يُقبل ويَقبل الناس الاستماع للرسالة التي تسعى الكنيسة في تجسيدها. تأتي هذه الرغبة من اعجاب الناس وحتى انبهارهم بالكنيسة وما تقوم به في حياة افرادها بحيث ينهلون للاستماع لما يشارك به افرادها من رسالة الخلاص وغيرها.
بعد وضع ملامح ماهية الكنيسة وارساليتها، يمكن الخوض الآن في دور الفكر فيها: هل وجوده او عدمه في الكنيسة يساهم في قيام الكنيسة بدورها كما اوكله الرب لها؟
يتبع....