بعد زيارة لبلادنا قبل عدة سنوات شدد الشخصية الاولى في العالم الانجليكاني رئيس اساقفة كانتربري آنذاك جورج كاري على اهمية الوجود المسيحي في الاراضي المقدسة. واضاف ان استمرار الهجرة المسيحية ستقود الى ان تصبح هذه الاراضي، وبالذات الاماكن المقدسة فيها، متاحف تخلو من الحجارة الحيّة.
ان هذا التحذير ما زال حقيقياً والخطر مداهماً ولكن يرافقه هذه الأيام خطر آخر لا يلغي الوجود المسيحي الفعلي من البلاد ولكنه ينتزع جوهر مسيحيتنا ورسالتنا. انه الخطر ان نستسلم لجهات خارجية عديدة تسعى لتوظيفنا لغاياتها واهدافها الخاصة. انها المحاولات المختلفة لكسب انتماءنا وولاءنا.
رغم قلة عدد المسيحيين العرب في اسرائيل (حوالي 130 ألفاً ) وفي الضفة الغربية (حوالي 50 ألفا) وغزة (خمسة آلاف على الأكثر) ونسبتهم الضئيلة في الاراضي المقدسة ككل (أقل من 1.5%) ولكن التركيز عليهم والرغبة لكسب ولاءهم من اطراف عديدة اكبر بكثير.
ان حكومة اسرائيل ومثلها حكومة السلطة الفلسطينية ترغبان بكسب ود وولاء المسيحيين العرب في المناطق التي تحت نفوذهم لكي يظهرا امام الغرب المهيمن (صاحب الخلفية المسيحية وان كانت تلاشت في اماكن عديدة) بشكل ايجابي. لأجل تنفيذ ذلك تسعيان الى تقريب شخصيات عربية مسيحية اليها تتبنى سياسات حكومتها وتتوظف في الترويج لها مقابل فوائد مادية شخصية وسلطة ونفوذ وامتيازات.
كما ان فئات مسيحية غربية عديدة تستهدف هي الاخرى ولاء المسيحيين العرب. انها لا توفر جهداً ولا موارد في سبيل استمالة عرب مسيحيين الى صفهم.
لقد كان النجاح في استمالة نفوس المسيحيين العرب محدوداً للغاية رغم ان الجلبة الاعلامية حول الفئة الصغيرة التي تمت استمالتها كانت ضخمة. غير انه من الضروري التيقظ والانتباه لئلا تتسلل الايادي الخفية الى مجتمعنا العربي المسيحي فنصبح حجارة صغيرة تؤدي دورها السياسي على طاولات شطرنج كنسية اقليمية ومنطقية وحتى عالمية. ويحضرني ما قاله الرب يسوع حين قال: "ماذا ينتفع الانسان له ربح العالم كله وخسر نفسه". من يبيع نفسه مقابل حفنة مال او نفوذ هو من اشباه الرجال دون كرامة ولا حتى إرادة حرة.
ان ولاء مسيحيي الاراض المقدسة يتوجب ان تكون اولا للقدوس راعيها وسيدها وفاديها وليس لآخر. يتوجب ان تصرخ كنيستنا انها ملك للفادي الذي سباها بحبه ولن تكون لسواه.
خطط الرب ان نولد كفلسطينيين في الوقت الذي ما فتئ المسيحيون جزءا عضويا من نسيج شعبنا العربي عامة والفلسطيني خاصة. يريدنا الرب ان نحب شعبنا، نخدمه ونطلب الخير له -للمسلم والمسيحي والدرزي دون تفرقة. كما علّمنا ان نسعى لصنع السلام وهذا يترجم في سياقنا لصلح بين العرب واليهود في بلادنا على اساس العدل. ان مسّرة قلبه هي العمل لتقريب الناس اليه وبالتالي لتبنيهم لمبادئ الملكوت التي دعى هو الناس اليها من محبة واحترام الغير، الغفران والامانة في العمل والمثابرة وغيرها.
في خضم المعركة على ولائنا يبرز دورنا الروحي (حتى قبل القومي او المدني او الثقافي) وقد طلب منا الوقوف مع ابناء شعبنا مرفوعي الرأس باستقلالية قرار فنقدم الولاء لالهنا فقط.