تميز العهد القديم بوجود الناموس والشرائع الدينية المختلقة التي القت حملا ثقيلا على من وقعوا تحتها. حاول المخلصون ممن أرادوا إرضاء الرب ان ينالوا مرادهم عن طريق تطبيق الشرائع بحذافيرها ولكنهم فشلوا المرة تلو الاخرى. اما العهد الجديد فقد ابطل هذا الناموس واستبدله بناموس المحبة فتميز العصر كله "بعصر النعمة". ويفتخر المسيحيون انهم بعكس اتباع ديانات اخرى، لا يرضخون للقوانين والانظمة الجامدة في حياتهم بل اعطيت لهم الحرية للعيش بما يليق بإنجيل المسيح دون قوانين جامدة.
من جهة اخرى-اسس الرب كنيسته المحلية ولكنه لم يوفر الانظمة الدقيقة لإدارتها الفعلية. لقد قدم الرب المبادئ والوظائف الرئيسية لخدام الانجيل، الشيوخ والشمامسة ولكنه لم يقدم وصفة لكيفية اتخاذ القرارات ولا للعلاقة مع الاعضاء ولا علاقة القسيس مع الشيوخ العلمانيين. كما ان الكتاب المقدس اعطى مبادئ التعامل العامة من محبة واحترام ولكنه لم يعط تعليمات وآليات وقواعد العمل في الكنائس لترتيب وتنسيق العمل فيها. مثلا- مدة فترة الخادم في الكنيسة او الشماس واقرار الميزانية وكيف يتم انتخاب القسيس او الشماس والوصف الوظيفة لمن يركز عمل الشباب مثلا ولمن يخضع وكيفية التقييم وغيرها الكثير.
من هنا قامت الكنائس الانجيلية الحرة بتشكيل دساتير وانظمة لترتب العمل وتنظمه لتحقيق اهدافها ورؤيتها. لقد جاءت هذه الانظمة بالإطار العلماني العام لكن فحواها هو مبادئ وقواعد الكتاب المقدس. وقد وضعت هذه الانظمة بعد صلاة وتروي وبحسب خبرة كل من يشترك بتحضيرها ويصادق عليها بأغلبية كبيرة لكي تصبح ملزمة. ورغم غرابة الأمر- تقيّد الكنيسة عمليا نفسها بدستورها ولا يسمح لها ان تضعه جانبا، اذ هو الاتفاقية المشتركة بين الاعضاء حول قواعد اللعبة وقد اتخذ بتروي وصلاة وهو غير مرتبط بحالة نشأت في حياة الكنيسة او الهيئة. هذا الدستور هو السلطة العليا فوق الراعي وحتى فوق الاجتماع العام الا اذا تم تعديل الدستور بالاغلبية التي اقرت في الدستور نفسه. وكل هذا مؤسس على طلب الرب ان تسلك الكنيسة او الهيئة بترتيب (1 كورنثوس 14: 40 مثلاً).
من هنا يتوجب رفض الادعاءات التي ظاهرها روحاني او منطقي او عملي حول ضرورة ركن الدستور جانبا في حالة معينة حتى لو كانت استثنائية. اذ من المفروض ان يتطرق الدستور لحالات استثنائية وكيفية القرار فيها. يمكن للكنيسة ان تتخذ قرارا واعيا بتعديل الدستور بحسب الانظمة الموجودة فيه وبالأغلبية الموجودة فيه اذا تبين انه لم يتكهن كل الحالات التي قد تنجم والظروف الموضوعية تتطلب ذلك. لكن الغاء المكتوب والتساهل بخصوص فعالية الدستور هي من اسباب الاشكاليات والخلافات في الكنائس وقد قادت مراراً لتصدعات وانشقاقات. لقد وضعت الانظمة لتحمي الافراد من بعضهم البعض وكل شخص من نفسه. اذ قد يطلب الانسان مجدا او مالا او امتيازات لا يسمح بها الدستور فيكون الاخير سدا له. كما ان هذه الانظمة وضعت للعمل بالاتفاق وبعد تفكير وصلاة عميقين، فمن هنا حرى بمن وافق عليها بالأمس الا يقترح تجميدها او خرقها لأنها لا تناسبه في وقت محدد فيما بعد.
لقد اعتاد العرب مثلهم مثل شعوب متخلفة الاخرى الا يعملوا بواسطة انظمة وانما "عالبركة" ودون قوانين ولا ترتيب ونظام. ان هذا النهج هو سبب للتخلف وانعكاس له بنفس الوقت. فالعمل بهذا الشكل بالفوضى وحسب الاهواء والمزاج ودون ترتيب يقود لتعثر النتائج المرجوة ولتباين في التعامل بين حالة واخرى بسبب عدم اعتماد انظمة ومعايير. هذا التباين يقود لشعور بالظلم وعدم الرضى ويقود مجددا لتراخي بالعمل وضعف فعالية الكنيسة. ان هذا الميل للعمل دون انظمة عند العرب عامة يلتقي بالميل عند بعض القادة ان يعملوا "بحرية" وبادعاءات غيبية عن كلام الله لهم متجاهلين الانظمة التي وضعها الرب نفسه باتفاق الاعضاء! بالتالي يضيق بعض القادة الروحيين ذرعا بالدستور الكنسي ويعتبرونه عائقا امام فرض سلطتهم فيقدمون تبريرات "لضرورة" الحيدان عنه. فتارة يدّعون اننا يجب الا نكون ناموسيين متمسكين بدستور وتارة ان الروح القدس يقودهم ويكلمهم بأمور تتخطى الدستور وتارة ان الظروف الاستثنائية (وما اكثرها) تفرض على الكنيسة نزع نير الدستور عنها! ما هذه الا تبريرات غير حقيقية لأجل ان يفعل من يطالب بها ما يحلو في عينيه دون رادع ولا رقيب. ان هذا التوجه يخرق الاتفاق بين جميع من وافق وعمل وطبق الانظمة والدستور وهو خرق لوصية الرب ان نفي بوعودنا ونثبت على كلمتنا وخرق لطلب الرب ان نعمل بترتيب.