صدم الجمهور العربي في البلاد مؤخراً بحالات متزايدة من قتل النساء على خلفية ما يسمى زوراً "شرف العائلة". وتجتمع عدة عوامل لكي لا تكرّس هذه الظاهرة المقيتة فحسب بل تزيدها:
1 - مجتمعنا العربي في البلاد يزداد عنفاً كانعكاس لوضعه كأقلية مهمشة في بلاد تعيش صراعاً قومياً وما يرافق ذلك من حروب وحملات عسكرية وتمييز وعنصرية. ما تعيشه الأقلية العربية يؤثر على نهجها في كل مناحي الحياة وبضمن ذلك علاقتها المجتمعية الداخلية مع المرأة. أجواء العنف العامة تتسلل الى علاقاتنا وتوجهنا للفئات المستضعفة وبضمنهم المرأة.
2 - تقاعس الشرطة في القيام بعملها وكشف هوية الفاعلين في جرائم القتل من هذا النوع في الماضي وتقديمهم للمحاكمة.
3- انتقل مجتمعنا من مجتمع محافظ للغاية الى مجتمع يجمع ما بين التقليدية المحافظة والتحرر العام بتأثير الانفتاح على الغرب وخروج المرأة للعمل والاختلاط مع المجتمع الإسرائيلي وغيرها. خروج المرأة وتفاعلها في المجتمع يرافقه علاقات مع رجال وعلاقات مع أبناء ديانات أخرى. لا ينظر الكثير من الرجال الى ذلك التفاعل باستحسان والبعض يرفض ذلك لدرجة قتل النساء اللواتي يتورطن بمثل هذه العلاقات.
4- يمارس المجتمع توجهاً متسامحاً تجاه الفئات التقليدية المحافظة وبالذات الدينية منها. ينبع هذا التساهل من اتسام مجتمعنا بصبغة دينية باقية على الرغم من مظاهر العصرية والعلمانية المتزايدة. للأسف – تعطي احيانا فئات دينية متشددة تبريراً لإدانة تلك التصرفات " غير الأخلاقية" وكنتيجة لذلك التبرير المبطن او حتى المباشر- يقوم أحدهم "بالدفاع عن شرفه" ليقتل الفتاة التي انتهكت بنظره شرف أهلها.
لست بصدد الدفاع عن تصرفات غير مناسبة في العلاقات ما بين الجنسين والتي تقوم بها فتيات ( وشباب!). اذ يمكن التعامل معها بالتربية الصحيحة وتوضيح المخاطر الموضوعية التي قد تنبع من ذلك.
لكن رغبتنا في وضع حد لهذه الظاهرة البغيضة والمتخلفة تستوجب وضع الاصبع على بعض ابعاد هذا الموضوع:
1 - المرأة كائن مستقل ذو قيمة، خلقه الله على صورته كشبهه كالرجل تماما ولا وصاية للرجل عليها. هي ليست شرف الرجل وهي ليست متاعه. ان عدم المساواة بين الرجل والمرأة ورؤية المرأة كمن يتبع للرجل - هو البنية التحتية للتعامل مع المرأة بالعنف وقتلها.
2- وضع العرب قيمة عليا للعفة والطهارة عند النساء تفوق باقي القيم. يمكن للرجل ان يكذب ويسرق ويغش ويستخدم العنف ولكنه الويل له إذا بدر فعل يمس العفة لدى أي من نساء بيته.
3- هناك معياران للتعامل في مجتمعنا العربي اذ يمكن للرجل ان يتصرف بإباحية ويقيم العلاقات مع الجنس الأخر دون رقيب ولا نذير بينما يقابل تصرف مشابه من المرأة بالشجب والاستهجان وقد يقود الى القتل. المضحك المبكي هو ان في كل علاقة طرفان وفي الوقت الذي ينظر المجتمع بتسامح (وقد يكون بالإعجاب أحيانا) للرجل فانه ينظر للطرف الآخر للعلاقة بالإدانة والتقريع والشجب.
لقد شكل الرب يسوع نموذجاً يحتذى به للتعامل مع المرأة. كانت المرأة وضيعة المركز في ذلك العصر قبل الفي عام. وكان كل يهودي يصلي كل صباح " "اشكرك اللهم لأنك لم تخلقني امرأة". أما المتتبع ليسوع خلال سنين خدمته فيشهد كيف يتعامل يسوع مع المرأة المرة تلو الأخرى باحترام ورفع شأن. نراه يقود المرأة السامرية التي تزوجت خمسة رجال وكانت تعيش في زمن حوارها مع يسوع مع رجل سادس ليس زوجها. عاملها بحساسية وقادها دون احراج لحياة تحرير وقيمة (يوحنا 4: 3-42). ولقد كان موقفه تجاه المرأة التي امسكت في زنى وارادوا ادانتها واعدامها مشرف للغاية هو الآخر. اذ سأل من تجمعوا لقتلها: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر!" (يوحنا 8: 3-11). لقد ازاح يسوع عنها دينونة رجال الدين وحررها هي الأخرى.
اثر توجهه كرافع شأن النساء تبعته كثيرات في الوقت الذي تراجع فيه الرجال وتركوه حين سمعوا ان يسوع مقبل الى الصلب.
أما في الصليب فلقد اعطى يسوع النساء الاحترام الجزيل. ففي ذلك الوقت، لم تكن شهادة النساء مقبولة ولكنه يختار امرأة هي مريم المجدلية كشاهدة أولى لقيامته امام العالم. لقد كانت اول مرسلة اخذت التفويض مباشرة من الرب لكي تذهب وتخبر التلاميذ بالقيامة (يوحنا 20: 17).
ان نهج يسوع في تعامله مع النساء هو مثار اعجاب ورقي ورفعة وحري بمجتمعنا ان يحتذي به اذا شاء منح المساواة للمرأة وكنس آفة قتل النساء.