يُميّزُ فُقهاءُ الكتابِ المُقَدَّسِ واللاهوت بين غفران الله وغفران البشر. الأوَّلُ عموديٌ والثَّاني أفقيٌ. الغفرانُ العموديُ يَغفرُ فيه اللهُ خطايا الإنسان. والغفرانُ الأفقيُ يغفرُ فيه الإنسانُ خطايا المُذنِبين إليه. كما يميّـزون بين الغفران الخلاصي الَّذي تمَّ بفضل عمل الله الابن على الصَّليب ونلناه بالنَّعمة بالإيمان وغفران الله التَّقديسي الَّذي نحتاج أنَّ نحصل عليه كلَّ يوم في حياتنا.[1] وعندما يُخطئ الإنسانُ يُصبح مديوناً لمن أخطأ في حقه. فإما أن يُسدِّد الدِّين أو أنْ يمنحه المُذنَب إليه غُفراناً مجانياً.
وعادة نتقابل مع فريقين عندما نسعى إلى تحديد موقف المسيحي من الغفران الأفقي. يؤكد فريقُ الغفران المشروطِ أنَّ المسيحيَّ لا يُقدم الغفرانَ لغيـر التائبين.[2] ويجادلون أنَّ الغفران الأفقي يجب أن يتمثَّل بغفران الله العمودي. فإنْ لمْ يتب الإنسانُ لن يخلص وسيُعاني نتائجَ خطيئته. ويؤيِّدون إِسناد الغفران الأفقي إلى العمودي بقول بولس الرَّسول: "متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح" (أفسس 4: 32). ثمَّ يضيفون قول المسيح: "إن أخطأ إليك أخوك فوبِّخه، وإن تاب فاغفر له" (لوقا 17: 3). أما فريق الغفران غيـر المشروط فيجادلون أنَّ المسيح غفر دون شرطٍ.[3] فعندما كان على الصَّليب قال: "يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعملون ماذا يفعلون" (لوقا 23: 34). وهكذا فعل استفانوس بعد أنْ رجموه (أعمال 7: 60).
مهما كان موقفنا من الغفران الأفقي، سواءً أكان مشروطا بالتوبة أم لا، علينا أن نتنبه للأمور الآتية. أولاً، يختلف الغفرانُ عن المصالحة. فعندما تنكسر العلاقات يجب ألا نكتفي بالغفران بل يجب أن نسعى نحو المصالحة كسفراء عن المسيح. وتحتاج المصالحة إلى بناء الثقة والعلاقة بحسب المحبة المسيحية الطَّاهرة. ويجب أن نتعامل مع الشَّر بكلِّ أنواعه كما فعل المسيحُ فلا نكتفي بالغفران ونتجاهل مسؤوليتنا المسيحية تجاه المظلومين والظالمين. ثانياً، لا يعني الغفران إعلان براءة المذنب أو الاستخفاف بذنبه أو التَّغاضي عن مقاييس العدالة الَّتـي وضعها الله في الدَّولة (رومية 13: 1 – 7) والكنيسة (1 كورنثوس 6: 1 – 11) والأُسرة (أفسس 6: 1 – 4) والكلمة المقدسة. ولهذا يعاقب الحاكم الأشرارَ حتى لو تابوا وتُقيم الكنيسة قضاةً وتُؤدِّب الأُسرة أولادَها وبناتها. ثالثا، دعانا الله أن نحب جميعَ النَّاسِ سواءً أكانوا من التائبين أم لا. فيجب أن نتكلم بمحبة وتكتسي مشاعرنا ودوافعنا بالمحبة ونصبر ونرحم ونرجو في كل حين. فلا مكان للّامبالاة وللحقد والمرارة والنميمة والانتقام.
[1] يعتمد هذا المقال القصير على تحليل راندي نيلسون لوجهات النظر المتعددة. ويستخدم المقال المراجع الكثيرة التي يزودها راندي ويضيف إليها.
Randy Nelson, “Exegeting Forgiveness,” American Theological Inquiry 5 (2012): 33 – 34.
[2] Nicholas Woterstorff, “What Makes Forgiveness Possible after Injustice,” The Christian Century 130 (2013): 26 – 29; Ardel Caneday, Must Christians Always Forgive? (Mount Hermon: Center for Cultural Leadership, 2011), 10.
[3] John MacArthur, The Freedom and Power of Forgiveness (Wheaton: Crossway Books, 1998), 122.