تحمل الكنيسة مسؤولية عظمى في حياة افرادها وعائلاتهم. فهي التي تهتم بالحياة الروحية على ما تحمل هذه العبارة من معاني هامة للغاية. فهي التي تعنى بخلاصهم الابدي وتتابع تلمذتهم ونموهم في محبة الرب والقريب وهي التي تفعّلهم ليندرجوا في ارساليتها لمحيطها وغيرها (1). هذا هو لب عمل الكنيسة، ولكن هذا الجوهر لن يدخل الى حيز التنفيذ ما لم يرافقه عمل اداري ومالي يصب في تتميم هذه الاهداف. لا يمكن اعتبار النواحي الروحية هي ذات الاهمية بينما الاداريات هي الناحية التي يمكن اهمالها. انهما ناحيتان متشابكتان ومرتبطتان. ان القرارات الروحية ستبقى حبر على ورق دون آلية لتنفيذها تتمثل في الاداريات.
العمل الاداري يرتبط بكيفية اتخاذ الكنيسة للقرارات. هل نظامها هرمي باتخاذ رجل الدين او العلماني للقرار ويتوجب على من يتبوأ موقعا تحته في الهرم ان يطيع ونفس هذا المطيع يتخذ قرارات تلزم من تحته في الهرمية وهكذا ؟ هناك نظام آخر هو اتخاذ مجموعة او مجلس للقرارات (وقد يكونوا كلهم من القسوس او الكهنة او مجموعة مختلطة منهم من علمانيين). وهناك كنائس يقتصر اتخاذ القرارات في فرد واحد فيها هو رجل الدين المفرز ويتوجب على الجميع الانصياع له. هناك طبعا مناهج ادارة هي خليط بين عدة انظمة (2).
لكثير من الكنائس موارد مالية من حسابات بنكية او املاك منقولة وغير منقولة والتي تخضع لتصرف الكنيسة لصالخ خدمتها وذلك بحسب القرارات الادارية فيها. ولا يمكن النظر الى القرارات المالية ايضا بمعزل عن الهدف الروحي في جوهر العمل الكنسي.
لن نخوض في المناهج المختلفة لاتخاذ القرارات الادارية في الكنائس ولكن سأتطرق بشكل مبدأي لقضية اشراك شعب الكنيسة في اتخاذ القرارات. لكن يتوجب اول كل شيء التشديد ان الرب هو رأس الكنيسة وهو قائدها وصاحب الكلمة الاولى والأخيرة فيها (3). ولكن كيف يعرف الشعب قصد الرب وارادته لكنيسته. يدعي البعض ان معرفة قصد الله لكنيسته المحلية هو بواسطة راعي الكنيسة نفسه. يدعم هؤلاء موقفهن بالاستعانة بمفهوم الكاهن في العهد القديم الذي مثل الشعب امام الله وقدم القرابين عنهم. كما يبنون موقفهم على ان الراعي هو "ملاك الكنيسة" اي المؤتمن عليها ولهذا كتب يوحنا الرائي بالروح القدس لهذا الملاك مباشرة في سبع كنائس آسيا الصغرى حين وجه لكل كنيسة تشخيصا روحيا وتوبيخا وتشجيعا وارشادات وحتى نبوات (رؤيا: الاصحاحات 1-3). تتعرض الفئات التي تمنح الراعي حق حصري كهذا لمعرفة مشيئة الله للكنيسة الى خطر حدوث خلافات ونزاعات وانقسامات بين الراعي وبين من يخدمون معه او حتى مع شعبه.
البعض الآخر، ممن أنتمي الى فكرهم في هذا الأمر، يؤمنون بكشف الله لإرادته وقصده كرئيس الكنيسة عن طريق كلامه للجماعة ككل. فلقد غيّر الرب نظام الكهنة في العهد القديم (وكانوا من فئة معينة: من سبط لاوي وبعدها بالتخصيص من ابناء هارون) واستبدله ب- "كهنوت كل المؤمنين" (4). أصبح للمؤمن في العهد الجديد مكانة خاصة فهو شريك في تقريب الناس لله. والشريك بعمل الملكوت وبالذات بالمأمورية العظمى، شريك ايضا جماعياً كعضو وحجر حي في كنيسة الرب في السعي لمعرفة مشيئة الرب لكنيسته.
يمنحنا العهد الجديد نافذة هامة لحياة الكنيسة الاولى التي نعتبرها نموذجا فنجدها قد اختارت جماعيا مؤمنين مشهود لهم لخدمة الشمامسة (5). كما يخبرنا الكتاب المقدس أن اختيار وافراز بولس وبرنابا تم بشكل جماعي (6) ، فاذا كان الأمر كذلك في الكنيسة الاولى حين كانت ما زالت في نشأتها ولم يكن الكتاب المقدس قد جمع بعد، فكم بالحري اليوم؟ اذا كان الاختيار يتم بمشاركة الجماعة بضع سنوات بعد انطلاق مسيرة الكنيسة في الوقت الذي افتقرت الكنيسة للدارسين من مؤمنين مكرسين اكتسبوا الخبرة لعقود كثيرة، فكم بالحري في يومنا هذا؟
ومن الملفت للنظر ما يأتينا به سفر الاعمال حول البحث الذي جرى في مجلس اورشليم بعد تقرير بولس وبرنابا حول طلب البعض باختتان المؤمنين الجدد وحفظهم لناموس موسى (7). نجد فى التقرير هناك عن طرح المسألة، بحثا ونقاشا بروح موضوعية وقرارات تتخذ بمشاركة الحاضرين وليس موقفاً منفرداً. الله فعلاً يوكل راعيا مسؤولا لخدمة النفوس في الكنيسة، لكن هذا لا يعني سلطة مطلقة او تحكم ديكتاتوري، وانما يتوجب ان توضع ضوابط على شكل مرجعية حقيقية على عدة اصعدة لكي يسير بمشاركة الكنيسة ككل على هدى الخط الذي رسمه الرب لكنيسته.
1-اعمال 2: 42
2-انظر كتاب الدكتور رياض قسيس والدكتور نبيل قسطة "سر العولمة الناجحة" اصدار جمعية الكتاب المقدس. المؤلفان لا يتطرقان لادارة الكنيسة ولكنهما يوردان المبادئ التي تحكم عمل الهيئات وكثير من نصائحهما واستنتاجاتهما يسريان على العمل الكنسي.
3-افسس 5: 23
4-بطرس الاولى 2: 5 و 9 ورؤيا 1 :6
5-اعمال الرسل 6: 3
6-اعمال 13 :2 و 3
7-اعمال 15