يسرد لنا سفر اعمال الرسل تاريخ الكنيسة الاولى ويعلّمنا ان المؤمنين الاوائل دعوا مسيحيين في انطاكية اولا.
وطبعا يعتبر حوالي ملياري ونصف انسان نفسهم مسيحيين في العالم اليوم. انهم منتشرون في ارجاء المعمورة من حامضهم الى حلوهم. كما يحصى عدد المسيحيين العرب في بلادنا ب- 130 الف شخص. لا اسعى لخلع التسمية عن حامليها فهي فخر للكثيرين وتحمل ارث قديم العهد. ولكني اتساءل ان كانت التسمية للناس الذين يحملونها اليوم تطابق القصد الاولي لها في سفر الاعمال؟
هل التسمية اجتماعية فقط لمجموعة من الناس تبع اباءهم او اجدادهم دين المسيح ام هي تسمية حقيقية يحمل فيها المسيحيون معاني مسيحتيهم في ايمانهم وممارساتهم؟
اتسم التلاميذ الاوائل بالمحبة الشديدة للرب يسوع فواظبوا على الصلاة له وعاشوا بحسب وصاياه وارشاداته واستحقوا الاسم الذي دُعى عليهم. قادوهم الى جب الأسود الجائعة لكي تفترسهم وكل ذلك بسبب ايمانهم، ولكنهم صبروا واتكلوا على المسيح حتى الموت. لاحقهم اباطرة ذلك العصر وارادوا البطش بهم ففروا الى الجبال لكنهم لم ينكروا مسيحهم. باع كثيرون منهم كل املاكهم واشتركوا بأثمانها مع باقي المؤمنين. عاش مؤمني الكنيسة الاولى كلام المسيح والرسل فسعوا ليكونوا ملحا ونورا وليباركوا مجتمعهم. وفوق الكل تسلحوا بالمحبة-علامتهم الفارقة. فعلا لم يدعَ عليهم اسم المسيح سدى ولا زوراً وبهتاناً!
يعيش كثير من مسيحي ايامنا بعيدا عن تعاليم يسوع الخالدة. انهم لا يحتفظون الا بطرف علاقة طفيفة معه. لقد اداروا له ظهورهم والتهوا بظروف معيشتهم. انهم يأكلون ويشربون ويسافرون ويشتغلون دون ان يلتفتوا اليه. ندرت زياراتهم لبيوت العبادة له فوفدوا اليها مرتين فقط: عند مراسيم زواجهم "ليتمموا المعاملة" وبعدها ئاتوا اليها على ظهورهم عند الممات كمحطة أخيرة قبل القبر الدامس. بقيت اسماءهم في سجلات عضوية الكنيسة حبرا على ورق. ما عرفوا من انجيله الا "قليل من الخمر يفرح قلب الانسان" و "انظروا اقوالهم ولا تفعلوا أعمالهم" وغيرها من العبارات التي لم تكن اصلا فيه ولكن شُبه لهم.
درسوا وتثقفوا في مجمل الديانات والحضارات وتزودوا بالمعلومات ما عدا حقيقة ما يقوله العهد الجديد. استهزأوا بالمتدينين والمؤمنين وقد اعتبروهم متخلفين وبدائيين بينما هم -ما شاء الله-متنورون! قرأوا نيتشه وفولتير ودوكينز وداروين وأغفلوا عن زاكاراياس ولين كريغ وبولس ويسوع. ابعدوا فزاروا متحف اللوفر وسور الصين وبرج بيزا والساحة الحمراء في مشرق البلاد وغربها، لكن اقدامهم لم تطأ في جسيماني ودرب الآلام والتطويبات والمهد رغم قربها. تباهوا بانفتاحهم على الاديان الاخرى ليثبتوا "تنورهم" ولكنهم ساوموا على ايمانهم هم! تباروا في وسائل الربح المادي تاركين اخلاق ومبادئ وقيم الانجيل معللين ذلك بأن الغاية تبرر الوسيلة. سعوا لأعلى درجات العلم وغفلوا ان رأس الحكمة مخافة الله. تحاربوا على المناصب وتعاركوا على الورثة والتركة-على الاموال والاطيان- بدل السعى للعمل بالسلام والمحبة مقدمين بعضهم بعضا بالكرامة.
لقد شذ اسلوب الحياة الذي اتخذوه عن مبادئ الانجيل حتى امست تسميتهم "مسيحيين" اضحوكة. طلب المسيح ولاء ومحبة تلاميذه واوضح لهم طريق الخلاص وانار لهم طريق واسلوب الحياة الافضل التي يريدها لهم. ان رسالته هي رسالة محبة ولطف وغفران ولكن لنتنبه لئلا يغشنا ذلك. ان رسالة يسوع تتطلب ولاء كامل ولم تأت لتساوم على حق الانجيل. عندما يعيش كثير من المسيحيين بعيدا عنه وعن تعاليمه فانهم يكونون كالمرائين غاشين نفوسهم تماما كما يقول الرسول يعقوب:
"ولكن كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط خادعين نفوسكم. لانه ان كان احد سامعا للكلمة وليس عاملا، فذاك يشبه رجلا ناظرا وجه خلقته في مرآة. فانه نظر ذاته ومضى، وللوقت نسي ما هو" (يعقوب 1: 22 - 24).