ما المشترك بين مارتن لوثر ومارتن لوثر كينغ ويتسحاق رابين وريتشارد قلب الأسد وكوري تين بون؟
لقد اعتبرهم التاريخ شخصيات شجاعة. فالأول حارب الفساد في الكنيسة، الثاني حارب التفرقة العنصرية، الثالث سعى للسلام، الرابع حارب في الحرب ببسالة والأخيرة تمردت على جور النازيين وهرّبت يهود مطاردين من ايديهم.
اجمالا يعجب البشر بالشجعان. فالشجعان في الحرب يتقلدون الاوسمة الفخرية بعد انتهاءها. أما الشجعان في كسر دائرة العنف وصنع السلام فقد ينالون جائزة نوبل للسلام. ويكرّم التاريخ مُحاربو الظلم والاستبداد فيخلّد ذكرهم.
متى نعرّف عملاً ما بأنه عملٌ شجاع وماذا يميزه عن غيره؟ انه عملٌ لأجل قيمة إنسانية عليا مثل حرية العبادة، العدل او المساواة يدفع فيها الشجاع ثمناً او يخاطر بحياته او بمكانته او بنفوذه او منصبه. انه يتمثل بعمل فعلي احياناً وبإحجام شجاع عن العمل احياناً اخرى (رفض لأوامر ظالمة او مناقضة للمبدأ).
ان وصفاً كهذا للشجاعة ينطبق على رجال ونساء الله في العهد القديم. فيوسف ضحى بمكانته المرموقة في بيت فوطيفار لاجل القيمة العليا الا يخطئ في أعين الرب. دانيال خاطر بمكانته في قصر الملك عندما رفض التنجس بأكل الملك ومشروبه. وايليا وقف امام آخاب الملك وزوجته الشريرة ايزابيل لأجل عبادة الاله الحي. النبي ناثان واجه الملك داود بخطيته بعد ان استخدم الخير صلاحيته ليضع اوريا في جبهة الحرب فيُقتَل ويتخذ داود امرأة اوريا زوجة له. أما ابيجال زوجة نابال فخاطرت بحياتها عندما خرجت محملة بالهدايا الى داود وقد رافقه مئات الرجال المدججين بالسلاح أتوا ليقتلوا زوجها فنجحت في إقناعه بالعدول عن ذلك.
والعهد الجديد ملئ بالشخصيات الشجاعة أمثال مريم العذراء التي ضحت بصيتها اذ قبلت دعوة الله لها والمريمات اللواتي تبعن الرب الى الصليب وخاطرن بحياتهن من بطش رجال الكهنة والرومان واسطفانوس الذي خاطر بحياته لكي يعلن حق الانجيل وبولس الذي خاطر بحياته في آسيا الصغرى لكي يؤسس الكنائس رغم الاضطهاد.
وطبعا فاق عليهم جميعا بالشجاعة الرب يسوع الذي تحدى النظام الديني السياسي الروماني والنظام الديني اليهودي لكي يوصل للشعب مبادئ الملكوت ولكي يتمم عمل الفداء. كما وبخ يسوع الفريسيين بشجاعة لمراءاتهم وتديّنهم الاجوف. وقف يسوع ببسالة امام تجربة ابليس بعد صوم اربعيني ورفض اغراءاته. اتسمت حياته كلها على الأرض بالشجاعة فهو سار ضد التيار وقام بعمل التضحية والشجاعة الأول بالتاريخ لفداء البشرية.
ماذا يمنع الانسان من الوقوف لأجل الحق بشجاعة؟ انه الخوف وقد حذرنا الكتاب المقدس:
"لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف الى خارج لان الخوف له عذاب. واما من خاف فلم يتكمل في المحبة" (1 يو 4: 8).
أي ان انعدام المحبة تولد الخوف الذي يمنع الشجاعة. وبالعكس-المحبة تزيل الخوف وتولد الشجاعة. وما هي هذه المحبة الضرورية للشجاعة؟
انها محبة الله ومحبة القريب. فمحبتي لإلهي تقودني لأخاطر بالثمين واقف للحق الذي يوصيني به الهي. أما محبتي لغيري فتجعلني على استعداد لاتخاذ موقف لأجل خيرهم، حتى لو تطلب الامر تضحية.
هل تقف الكنيسة وقفة حق شجاعة في بلادنا ام تبحث عن راحتها لتقف مع القوي وتسلم من اذاه فتحافظ على ما لها؟
وقفت كنائس معينة في العالم وقفات شجاعة مضيئة في تاريخها مثل وقفتها ضد العبودية في جنوب افريقيا ولأجل السلام والمصالحة في ايرلندا وضد النازية في المانيا وبالمقابل وقفت كنائس أخرى بخنوع مع سلطات غاشمة كالوقفة مع استمرار العبودية في الولايات المتحدة ومع الحكم النازي او مع الحكم الشيوعي المستبد في ارجاء مختلفة من العالم.
اين تقف كنيستنا من ذلك في الأراضي المقدسة؟