بعد الحديث عن الجماعة المضطهدة في المقال السَّابق، من المناسب وضع بعض العبارات فيما يخص التَّطرف الدَّاعشي للمتأسلمين. فكيف نتعامل مع هذا النوع من الاضطهاد؟
أولاً، من المهم أن نبدأ بالصلاة إذ أنَّ الله يهمه أمر كل إنسان في بلادنا. يقول الكتاب المقدس: "فأطلبُ أوَّل كل شيء، أن تُقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس، لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب، لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار، لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلّصنا الله" (تيموثاوس الأولى 2: 1 – 3). يجب أن يكون الله هو قائدنا في الفكر ويجب أنْ تتشكَّل رؤيتُنا ومبادئنا في غرفة الصَّلاة. ونستطيع أن نضع كلمة "المسلمين" بدلا من كلمة النَّاس عندما نطبق هذا المبدأ على موضوع العلاقات المسيحية – الإسلامية. وهكذا يجب أن نصلي باستمرار للمسلمين لاسيَّما المسلمين الداعشيين.
ثانياً، من الضروري أن نفهم دعوة الله لنا كأفراد وككنائس ومؤسسات مسيحية سواءً أكان على الصعيد الفردي أم الجماعي. لقد شاء الله أن نسكن ونعيش وسط أحبائنا المسلمين. ووضّح لنا الكتاب المُقَدَّس بضع حقائق مهمة إذ نعرف أنَّ المسيحَ مات على الصليب ليفدي جميع العالم. تقول كلمةُ الرب، "لأنه هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يُوحَنَّا 3: 16). ويوصينا المسيحُ قائلا: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28: 19 – 20). ولنفهم واقع الكنيسة المحلية في ضوء دعوة الكنيسة الجامعة، نستطيع أن نستبدل كلمة العالم أو كلمة الأمم بكلمة مسلمين. ولهذا علينا أن نصلي أن يفتح الله الفرص المناسبة لتحقيق التكليف الإلهـي لكنائسنا ومؤسساتنا ولبركة شعوب بلادنا.
ثالثاً، يجب أن نفحص الأمور ونُشخِّصُها قبل التَّحرك. يُحرّك الله قلوبنا لكي نبارك جيراننا فالمسيح هو إله كل بركة وبه تتبارك جميع الشُّعوب. قال الله لإبراهيم "وتتبارك فيك جميعُ قبائل الأرض" (تكوين 12: 3). ونؤمن أنَّ هذه البركة هي في المسيح (أفسس 1: 3). ويقول الكتابُ المُقَدَّس: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذا صار لعنةً لأجلنا، لأنه مكتوب: "ملعون كل من عُلق على خشبة" لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع، لننال بالإيمان موعد الروح (غلاطية 3: 13 – 14). بالرّغم من التزامنا بالبركة إلا أنَّه ثمة تحديات. فلقد ازدات في الفتـرة الأخيـرة ظاهرة الأسلمة والخُطب الدينية المعادية للمسيحية. وانتشرت أيضا ثقافة شعبية معادية للمسيحية. يجب أن نواجه هذه التحديات بمعرفة دقيقة مطّلعة على التفاصيل. فنحسب النفقة كما علمنا المسيح عندما قال: "من منكم وهو يريد أن يبني برجاً لا يجلس أولاً ويحسب النفقة، هل عنده ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يُكمّل . . . وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب، لا يجلس أولا ويتشاور" (لوقا 14: 28 – 31). وهكذا فعل نحميا عندما تفحَّص أسوار أورشليم وتفرّس فيها قبل أن يتحدث إلى الآخرين ويبدأ العمل (نحميا 3: 11 – 18).
رابعاً، يجب علينا أنْ نستعد لبناء العلاقات المسيحية – الإسلامية بتثقيف أنفسنا سواء أكان بالمعلومات الضَّروية والأساسية عن الإسلام وتاريخه وأنواعه أم بمعرفة السلوكيات الاجتماعية المقبولة للمسلمين في بلادنا. ومن الضروري التَّمييـز بين الإسلام العقائدي والإسلام الشَّعبي أي الممارسات الشعبية التي قد تتفق أو تتعارض مع الإسلام. ومن الضروري أيضاً أنْ يكون التثقيفُ متبادلاً إذ نقدمُ للمسلم والمسلمة الإيمانَ بالمسيح بقالب فكري يستطيعون فهمه دون عوائق لغوية أو عثـرات حضارية. وفي هذا الشأن يقول الرَّسول بولس: "صرت لليهود كيهودي لأربح اليهود وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس. وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس . . . وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل" (كورنثوس الأولى 9: 20 – 23). ونستطيع أنْ نطبق المبدأ البولسي قائلين: صرت للمسلمين كمُسلم لأربحهم للمسيح. المبدأُ واضحٌ بالرغم من صعوبة معرفة التفاصيل. وفي حديث الرَّسول بولس في أريوس باغوس صَرَّح أنَّه نظر إلى معبودات الآخرين إذ قال: "لأننـي بينما كنت أجتاز وأنظر إلى معبوداتكم، وجدت أيضا مذبحا مكتوبا عليه: لإله مجهول. فالذي تتقونه وأنتم تجهلونه، هذا أنا أنادي لكم به" (أعمال الرسل 17: 23). بكلمات أخرى، لا ضير من قراءة القرآن والكتب الإسلامية ولا ضرر من النَّظر إلى معتقدات ومعبودات الآخرين. وقد يكون هذا هو الطريق الوحيد إلى التَّواصل الصّحيح وإلى فهم ومحبة الآخر.
خامساً، يجب أن نبنـي علاقات طيبة مع المجتمع من خلال أعمال خيـر نقوم بها. قال السَّيدُ المسيح: فليضئ نوركم هكذا قدام النَّاس، لكي يروا أعمالَكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السَّماوات (متـى 5: 16). ويجب أن نكون مثل طابيثا التلميذة التـي كانت "ممتلئة أعمالا صالحة وإحسانات كانت تعملها" (أعمال الرسل 9: 36). لقد رثتها جميعُ الأرامل وانتشر خبرُها في يافا كلها (أعمال الرسل 9: 36 – 43). فما المنفعة إنْ قال أحدٌ إنَّ له إيماناً ولكن ليس له أعمالٌ (يعقوب 2: 14). توفِّر هذه الأعمال الفرصةَ لبناء الثقة ولتقبّل الآخرين لرسالة المسيح، كما أنَّ الأعمال تعبيرٌ صادقٌ عن المحبة.
سادساً، يجب أن نواجه التحديات والحرب الكلامية والعنف الجسدي بمحبة وآداب ولياقة وحكمة. تقول كلمة الرب: "اسلكوا بحكمة من جهة الذين هم من خارج، مفتدين الوقت. ليكن كلامكم كل حين بنعمة، مصلحا بملح، لتعلموا كيف يجب أن تجاوبوا كل واحد" (كولوسي 4: 5 – 6). وهكذا يجب ان نكون "غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مباركين" (بطرس الأولى 3: 9).
سابعاً، يجب أن نستبدل الخوفَ بالمحبة. فبالرّغم من إدراكنا للمخاطر والتهديدات الكلامية والجسدية إلا أننا لا نتصرف بردود الأفعال بل بصنع المستقبل بالمحبة. "من لا يحب لم يعرف الله، لأن الله محبة" (يُوحَنَّا الأولى 4: 8). ويؤكد لنا الرَّسول يُوحَنَّا أنه "لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج . . . إن قال أحد: إني أحب الله، وأبغض أخاه، فهو كاذب. لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟" (يُوحَنَّا الأولى 4: 18 – 20). إن مبدأَ المحبة للمسيحيين يمتد ليشمل محبة كل البشر ويشمل المسلمين. فمحبتهم تزيلُ الخوفَ من قلوبنا وتكسينا بالشَّجاعة والعزم أنْ نخدمهم في سبيل تمجيد اسم الرب يسوع المسيح.
ثامناً، علينا أن نستخدم الموارد التـي يزودها الله لنا. وتشمل مواردنا الطاقات البشرية والمؤسسات التعليمية والطبية والكنسية والاصدقاء وغير ذلك. لقد سأل الله موسى: "ما هذه في يدك؟ فقال: عصا" (خروج 4: 2). ثم استخدمها اللهُ لتغييـر قلب موسى ولتغييـر مستقبل شعب الله. وعندما رأى اندرواس الحاجة الكبيـرة، قال: هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟" (يُوحَنَّا 6: 9). ونعلم أنَّ المسيح استخدم هذه الموارد القليلة ليصنع مفاجأةً إلهية كبيـرة. لقد زوَّد اللهُ كنائَسنا ومؤسساتنا بأطباء ومحاميين ومهندسين ومعلمين ومهنيين وغيـر ذلك. نشكر الرَّب أنَّ أيدينا مليئة بالبركات الَّتـي يستطيع اللهُ أنْ يفعّلها ويزيد من نشاطها في سبيل امتداد ملكوت الله بين المسلمين.
تاسعاً، يجب أن نبحث عن الأشخاص الذين نستطيع أن نتحدث إليهم في الطرف الآخر. فربما يكون بعضُ المسلمين متطرفين ولكن هذا لا يجعل جميعَ المسلمين متطرفين. فمن الواضح أنَّ ثمة إئمة مسلمة ومفكرين معتدلين من رجال ونساء بين جيراننا المسلمين. فهناك نيقوديموس المنفتح أن يتحاور مع المسيح (يُوحَنَّا 3). ونجد أيضاً أمثال غمالائيل الَّذي اعتـرض على اضطهاد المسيحيين فقال: "تنحّوا عن هؤلاء الناس واتركوهم" (أعمال الرسل 5: 33 – 40، 38).
عاشراً، يجب أن ندرك دور السُّلطات السّياسية والقانونية في الحفاظ على حقوق الإنسان والسَّلام الاجتماعي. يقول الكتاب المقدس: أن السَّلاطين الكائنة هي مرتبة من الله (رو 13: 1). والقائد المدني سواء أكان يهودياً أم مسلماً أما مسيحياً هو خادمُ الله للصلاح منتقم للغضب من الذي يفعل الشر (رومية 13: 3 – 7). ويجب في مرحلة ما التَّوجه للسلطة السّياسية والقانونية في سبيل تغييـر الواقع على مستوى القرية أوالمدينة أو البلد.
أخيـراً وليس آخرا، من الضروري أنْ نعمل معا. فإما أن نكون معاً وإما لن يكون لنا تأثيرٌ. فنحن جسدٌ واحدٌ سواء أكنا كنائس محلية أم مؤسسات. جميعنا بروح واحد اعتمدنا إلى جسد واحد، وجميعنا سُقينا روحاً واحد. بعضنا أذنٌ، وبعضنا بصرٌ أو يدٌ ولكنَّ اللهَ مزجنا معاً لنحقق إرادته معا (كورنثوس الأولى 12: 12 – 31). وسيعرف المسلمون أنَّنا تلاميذُ المسيح إن كان لنا حبٌ بعض لبعض (يُوحَنَّا 13: 35). فلنعمل معا ولتحمل كلُّ الكنيسة كلَّ الإنجيل إلى كلِّ العالم سواء أكان العالم الإسلامي أو أي عالم آخر. ونستطيع أن نعمل معا ضمن تمكين وتحفيـز أعضائنا ومؤسساتنا في العلاقات الفردية واللقاءات الجماعية والمنصات الثَّقافية والإعلام وغيـر ذلك. فلنعلن المسيح كمخلص شخصي ومخلص المجتمع ومخلص الكون أجمع. ولنصالح الإنسان مع الله ومع كل إنسان ولنُعِد الطريق لامتداد حضارة المسيح ولقدوم ملكوت الله الذي سيغير واقع الاضطهاد وينهي زمن الصَّليب بالقيامة. والآن بعد الحديث عن أهل المحبة وأهل الروح والجماعة المضطهدة سنتحدث عن جماعة الكرمة كما يذكرها يُوحَنَّا في الفصل الخامس عشر.