نسمع كثيرا في الآونة الاخيرة من ابناء شعبنا ، والمتعلمين منهم بالذات، عبارات الامتعاض عن العيش في بلادنا. فالعنف منتشر والاخلال المستمر بالنظام والقانون في ازدياد ونشهد ضعف النظم الاجتماعية التقليدية السائدة. كما نعاني من التطرف الديني والعنصري البغيض وفي التمييز بالذات ضد العرب.
وترى هذا التذمر يتضاعف في اشهر الصيف وبعد عودة المستجمين العرب من نواحي اوروبا او امريكا. فبعد قضاء اسبوع او اكثر في منتجع على شاطئ البحر وفندق فاخر او في مدينة اوروبية راقية ونظيفة يعود كثيرون الى بلادنا بمآسيها وطقسها الحار فيعيشون حالة تذمر مستمرة تصبغ الحياة بالوان النكد الداكنة. واصعب الكلام ما ينبع من مؤمنين من الاراضي المقدسة تعبوا من الحياة في بلادنا ويحلمون بالانتقال لمكان آخر، اكثر راحة.
كيف نقبل بذلك؟
لم يوعدنا الرب بحياة رغيدة ومريحة ولكنه قال "في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم". واجبنا الأول هو ان نصبر ونتمسك بوعده انه غلب العالم. ان احباطنا إشارة لعدم ثقتنا بغلبته وبضعفنا وهشاشة ايماننا.
وعلى مستوى آخر- لقد خلقنا الرب في بلاده التي اختارها ليعيش فيها اعوامه المحدودة على وجه الارض. ما ذلك امتياز فقط ولكنه ايضا مسؤولية. وحتى مع صعوبة الظروف وقساوتها لكن وجودنا كعرب مسيحيين في بلد المسيح هو مسؤولية وشهادة لذلك الناصري. انها دعوة لنكون شهودا له ولنخدمه في بلده. ان دورنا هام للغاية واعين الكل تتجه الينا والى وجودنا وخدمتنا في بلادنا ففي وجودنا رمز للمسيحية ككل. فاذا كان الوجود المسيحي بائساً بالكم والكيف في بلد المسيح- فان مدلولات ذلك صعبة على المسيحية ككل. هل ندير ظهورنا لدعوتنا الخاصة لصالح عبث الغرب الرغيد؟
ان حصر دعوتنا بين جدران الكنائس دون مسؤولية لشعبنا وجيراننا وحتى دولتنا هو وصفة لليأس. لكن دعوة شمولية للخدمة التبشيرية والاجتماعية بروح الانجيل تحصن النفس وتزيد إمكانية "الصمود" في ارض الدعوة –في بلد المسيح.
فمن يطيع كلمات الانجيل ويسعى لخلاص نفوس من لا يعرف المسيح يتمسك قليلا ببلاده. من يضيف عليها محبة لقريبه ورغبة بالخير له حتى لو اختلف معه بالعقيدة والطائفة واللون- يتمسك ببلده أكثر. اما من يضيف عليها مسؤولية شخصية تجاه شعبه وبلده (بمفهوم قريته ومدينته وحتى دولته) ليغيّر فيها ويطبق فيها مبادئ الملكوت فاحتمالات صموده أكبر وأكبر.
اذا عملت على اعلاء قيم المسيح ومبادئ الملكوت بين أبناء شعبك ودولتك وناديت بالعدل والمساواة وحكم القانون والرفاهية للجميع والخير العميم- فان دعوتك ستكون ذات قوة مضاعفة. فهي لن تقتصر على عمل محدود لتوصيل رسالة الانجيل للخلاص ولكنه ستكون شمولية اكثر-كما هي رسالة الانجيل حقاً.
لا نستهين بصعوبات الحياة وتعقيداتها وبالتالي نكدها في بلادنا ولكن يتوجب على من يؤمن بدعوته ليكون نوراً وملحاً في بلد المسيح، ان يعتبر ذلك تحدياً فيكون وسيلة واناء يستخدمه الرب لاعلاء اسمه العظيم وذلك بالتحديد في بلد المسيح ورغم كل المشقات.