اصدرت المحكمة التورآتية (الربانية/ الحاخامية) في تل ابيب قرارا لافتا الاسبوع الماضي يتعلق بمكانة اليهود المسيحيين بحسب هذه المحكمة الدينية اليهودية (ملف رقم 1138416/1).
وكان رجل وامرأة من اليهود المسيحيين قد توجها للربانية الرئيسية في تل ابيب بطلب للقيام بمراسيم الزواج وتزويجهم بحسب "دين وشريعة موسى وإسرائيل". ويأتي قرار المحكمة الدينية ليرد هذا الطلب بعد ان قررت انه بإيمانهم بالمسيح فقدوا حقهم في ان يتزوجوا كيهود في الربانية.
وقد سبق هذا القرار قراراً في مجال أساسي آخر هو موضوع قانون العودة وفيه بتت المحكمة بالسؤال اذا كان اليهودي المسيحي يدخل في تعريف "اليهودي"، واذا كان الجواب بالإيجاب فعندها يحق له القدوم لإسرائيل كقادم جديد بحسب القانون (قرار حكم محكمة العدل العليا 265/87 بريسفورد ضد وزارة الداخلية)؟ وقد سميت هذه المسألة ببساطة قضية السؤال: "من هو اليهودي؟" اجابت المحكمة العليا بالسلب في قضية بريسفورد ايضاً.
ويثير قرار المحكمة الدينية عدة ملاحظات واسئلة منها الثانوي ومنها الاساسي، وهي:
1. لماذا يتقدم زوج يهودي مسيحي اصلا للحاخامية الرئيسية بطلب للزواج ضمنها في الوقت الذي تمثل هذه المؤسسة تيار اليهودية الارثوذكسية المتعصبة والتي ترفض الاعتراف بيسوع المسيح حتى انه مُرسَل من الله وبل تعتبره مسيحٌ كذاب؟
2. هل يتم فحص "يهودية" الشخص في مثل هذه الحالات على الاساس الديني (اليهودية كدين) ام على الاساس القومي – العلماني؟
3. اذا اعتمدنا الفحص الديني- فكيف يستوي القرار بان المؤمن بالمسيح ليس يهوديا ً وانما ابن لدين آخر، اذا ما تذكرنا المبدأ الشرعي اليهودي بأن "اليهودي، وحتى ان اخطأ، يبقى يهوديا"؟ وقررت المحكمة في القضية في المحكمة الربانية ان ايمانهما بألوهية المسيح تجعلهما وكأنهما من الاغراب اي تخرجهما من الجماعة اليهودية، الى حين توبتهما وعودتهما اليهما.
4. اليهود المسيحيين يرون بأنفسهم يهودا بالمعنى الكامل للكلمة. اي انهم من أكملوا يهوديتهم والرموز في توراتهم اصبحت حقيقة. فمثلا رموز الذبائح تجسدت في صليب المسيح، ناموس العهد القديم تحول الى ناموس الحرية في نعمة المسيح. المسيا الذي انتظره اليهود تجسد في المسيح ابن الله.
ان هذا المفهوم لليهودية المنقوصة التي اكتملت في المسيح مرفوض جملة وتفصيلا من اليهودية ولكنه في صلب ايمان اليهود المسيحيين.
كما انهم يرون ان لهم دور أساسي في سيناريو آخر الأيام وقبل مجيئ المسيح ثانية بحسب توجه سابقي الألف الشعبية بين الانجيليين والنهضة التي ستعم اليهود بحسبها. كيف يمكن لهيئة إسرائيلية يهودية ، مدنية كانت او دينية، ان تعتبرهم غير يهود وهم من سيلعبون ذلك الدور الرئيسي المسلسل المفصلي آنف الذكر؟
5. أجاب الملتمسان من اليهود المسيحيين المحكمة الدينية اليهودية اجابات واضحة وصريحة ومشرفة دون مساومة حول ايمانهم بالعهد الجديد والوهية المسيح. لكن هذا الموقف الصادق الذي اوضحا فيه ايمانهما المطابق لعقائد ايماننا المسيحي سهّل الامر على المحكمة الدينية لتقرر انهما ليسا يهود ومن هنا لن تقوم الربانية اليهودية بعقد مراسيم زواجهما.
6. تم حسم سؤال "من هو اليهودي"؟ في قرار بريسفورد في المحكمة العليا بموضوع المستحق القدوم للبلاد كقادم جديد ولكن القاضيان الرئيسيان اتخذا تبريراً مختلفا الواحد عن الآخر لكي يرفضوا الالتماس. القاضي المتدين من المحكمة العليا مناحيم آلون برر موقفه بالاختبار الديني والمحكمة الربانية اقتبست موقف القاضي آلون وقررت على أساس الديانة اليهودية نفسها ان من يؤمن بيسوع المسيح قد انضم للمسيحية وقد اخرج نفسه من اليهودية حتى ولو التزم بوصايا الشريعة اليهودية- كما يفهمها.
لكن رئيس المحكمة العليا القاضي اهرون باراك اتخذ الاختبار القومي-علماني للمصطلح "يهودي" لكي يجيب على السؤال ان كان اليهودي المسيحي هو فعلا يهودي ام لا ؟ وخلص القاضي باراك الى النتيجة ان نظرة الشعب اليهودي لليهودي المسيحي عبر العصور هي التي تحسم الامر، وليست نظرة الديانة اليهودية كما في اختبار القاضي آلون وايضاً المحكمة الربانية. وخلص ان الشعب اليهودي ينظر الى المسيحي اليهودي كمسيحي بكل معنى الكلمة – ومن هنا فان قانون العودة لا يسري عليهما ولا يمكن اعتبارهما قادمين جدد.
7. لم يكن الاختباران الذان اعتمد عليهما القضاة (الديني من جهة والقومي-علماني من الجهة الأخرى ) هما الاختباران الوحيدان للبت في قضايا من هذا النوع. ففي قضية شهيرة سبقت القضيتين في المحكمة الربانية وقضية بريسفورد في المحكمة العليا ، قدم راهب من رهبان الكرمليت اسمه الاب دانيال التماساً للمحكمة العليا (قضية 72/62 ) مطالباً بالاعتراف به كيهودي ومنحه المواطنة الإسرائيلية بحسب قانون العودة. وقصة هذا الراهب هو انه ولد يهودياً وعمل كعميل مزدوج مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية والكارثة التي المت باليهود في أوروبا وهكذا ساعد يهوداً مطاردين بالهرب من براثن الوحش النازي. وعندما كشف امره هرب واختبأ في دير وهناك وتنصر. وردت المحكمة التماسه على أساس الاختبار القومي العلماني لمن هو اليهودي (تماماً كما موقف القاضي باراك في قضية بريسفورد). ولكن قاضي واحد ابدى رأيا مختلفا وان كان موقف الأقلية الذي لم يُقبل: لقد كان ذلك موقف نائب رئيس المحكمة آنذاك القاضي حاييم هكوهين الذي عبر عن موقفه ان القرار بهذا الشأن يتوجب ان يتعلق بماذا يرى الانسان نفسه. أي انه اذا قال يهودي مسيحي بطيب نية ودون اجندة غريبة بأنه يشعر انه يهودي- يتوجب ان نقبل ذلك. كما اسلفت فقد رفضت غالبية القضاة في قضية الاب دانيال هذا الموقف.
كيف تستوي هذه القرارات الرافضة لمبدأ كون شخص ما يهودي القومية بحسب نظرته ولكن هو يؤمن بيسوع وبهذا اعتبرته المحكمة بأنه مسيحي؟ بهذا حددت المحكمة أصحاب القومية اليهودية بمن التزموا بالدين اليهودي الرافض ليسوع المسيح.
اين يقف اليهود المسيحيين في البلاد والخارج من هذا التوجه اليهودي المركزي الديني والعلماني الرافض لما يرونه كيهوديتهم، وكيف سيؤثر على نظرتهم لهويتهم؟ ستبدي ذلك الأيام.