تحتفل الطوائف المسيحية في مثل هذا اليوم من كل عام بعيد الصليب، ويُحتفل بهذا العيد عادة بإشعال النيران فوق السطوح، وفي بعض المناطق تُضاءُ المشاعل على قمم الجبال وفوق الكنائس، وتقام مراسيم خاصة بذكرى هذا العيد في الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية عامة. أما أسباب الاحتفال به فتعود لاكتشاف ما يُعتقد بأنه الصليب الذي صلب عليه الرب يسوع، وذلك في القرن الرابع الميلادي. وهناك العديد من القصص الشعبية القديمة التي تذكر حادثة اكتشاف الصليب ولكن أهمها وأكثرها انتشارًا هي قصة الملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين. حيث تذكر القصة أن الملكة أتت الى الاراضي المقدسة في النصف الاول من القرن الرابع بغرض البحث عن الصليب الذي صلب عليه المسيح في أورشليم. وبعد فترة من البحث استطاعت أن تجد مكان القبر، وبعد مدة قصيرة وجدت أيضًا ثلاثة صلبان في الموقع نفسه. وللتعرّف على الصليب الذي صُلب عليه المسيح، تقول القصة أن كيرلّس بطريرك أورشليم اقترح عليها وضع جثة ميت على الصلبان، فجاؤوا بجثة شخص ميت ووضعوا جثمانه على الصليب الاول والثاني فلم يحدث شيء، ولما وُضع على الصليب الثالث قام الميت، فكان هذا الامر علامةً لهم أن هذا هو الصليب الذي صلب عليه المسيح. وقام الجنود في تلك اللحظة بإضاءة المشاعل من قمة جبل لآخر للاعلان عن العثور على صليب المسيح، ولذلك يُشعل الناس النيران في هذا العيد كذكرى لهذه الحادثة.
وعندما قام الفرس بغزو اورشليم ونهبها سنة 614م، كان الصليب بين جملة الغنائم التي أخذوها معهم، وبقي الصليب في حوزتهم حتى قام الإمبراطور الروماني هرقل باستعادته بعد انتصاره على الفرس سنة 628م. وأعيد بعدها الصليب لاورشليم حيث دخلوا به للمدينة باحتفال مهيب. فأضيف تذكار هذه المسيرة الى عيد الصليب في 14 ايلول في اكثرية الكنائس. لا نعلم بالتأكيد ما جرى للصليب التي وجدته الملكة هيلانة، لكن يقال إن الملوك والأمراء والمؤمنين المسيحيين بعد ذلك بدأوا يأخذون قطعًا من الصليب للاحتفاظ بها كبركة لهم ولبيوتهم وممالكهم. وهكذا لم يتبقَ في يومنا هذا من خشبة ذلك الصليب الا قطعتَين، الأولى لا تزال في كنيسة القيامة في أورشليم، والثانية في كنيسة الصليب المقدس في روما.
لا أحتفل شخصيًا بهذا العيد لعدد من الأسباب ليس من الضرورة ذكرها هنا، ولا يوجد لدي أية مشكلة مع من يحتفل به، بغض النظر إن كانت قصة الملكة هيلانة صحيحة بكل تفاصيلها أم لا. لكن مشكلتي هي مع من يحتفل بالصليب دون أن يعرف المصلوب، ولا يدرك معنى الصليب، ويتعامل معه كأنه رمز لا أكثر ولا أقل. ربما يعلقه على عنقه أو يرسم إشارته صباحًا ومساءً، أو كلما مر بجانب كنيسة، ويقوم بترنيم ترانيم الصليب بين الحين والآخر، ومع كل هذا يبقى الصليب بالنسبة له ليس أكثر من رمز وإشارة ولحن لا ينعكس تأثيره في حياته الشخصية والروحية والاجتماعية. ويذكرني هذا ببعض كلمات ترنيمة قديمة تقول:
إننا بالصوت نهتف : "خلني قرب الصليب"
بينما الواقع إنّا نبتغي منه الهروب
إننا نخشى الصليب، وانسحاق النفس فيه والعناء... والبكاء
وانكسار النفس فيه والعطاء........ والفناء..........
إن من يريد أن يحتفل بالصليب، فليحتفل متذكرًا بانه على هذا الصليب قد رُفع رب المجد، وعليه مات لكي يُخلصنا من الخطية ويُعطينا حياة أبدية وعلاقة وشركة مع الله. إذا كنا نريد أن نفرح في هذا العيد، فلنفرح لانه في الصليب ظهرت محبة الله لنا واهتمامه فينا نحن البشر فهو "لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضا معه كل شيء؟" (رومة 32:8). إن كنا نريد أن نضيء شعلة فلنجعل من حياتنا هذه الشُعلة، شُعلة تشهد بأننا وجدنا الصليب والمصلوب، شُعلة تُضاء بزيت إيماننا وقداسة حياتنا ونقاوة سلوكنا ومحبتنا لله واستعدادنا أن نخدم الآخرين بمحبة وتضحية كما أحبنا يسوع. إن كنا نريد أن نُحيي ذكرى الصليب فلنُحييه بغفراننا لمن أساء إلينا، ألم يغفر المسيح على الصليب لمن صلبوه؟!
إن حمل الصليب هو التزام وطاعة وخدمة، فإن أدركنا هذا وعشناه، عندها لسنا بحاجة ليوم في السنة لنحتفل بالصليب، بل سنعيش معنى الصليب كل يوم ونحتفل به في كل ساعة. وسيكون احتفالنا ليس بأي صليب، بل بصليب المسيح.