تتميز الكنائس الانجيلية الحرة، فيما تتميز، بعدم وجود نظام هرمي ولا إطار تنظيمي معقّد وانما كنائس محلية مستقلة قد تتعاون مع بعضها في أمور محددة. من هنا فان إدارة شؤون الكنيسة المحلية على نواحيها الروحية والادارية تقع على الكنيسة نفسها دون أي نظام مساعدة او دعم تنظيمي خارجي.
ان جوهر عمل الكنيسة هو العمل الروحي في التبشير بالكلمة وتنمية النفوس ومساعدة افرادها لمعرفة دعوتهم ولتفعيلها ضمن رؤيا الكنيسة. ولكن يخطئ من يعتقد انه يمكن القيام بذلك بمعزل عن باقي مشاغل الكنيسة. وأكثر من ذلك- ان الفشل في إتمام النواحي الأخرى في الكنيسة تعطل وتفشل أي عمل روحي بحت.
فإدارة الكنيسة تحتاج لإدارة النواحي المالية بحكمة وبشفافية واتقان ودقة. كما انه يتطلب إدارة للمبنى الذي تجتمع به الكنيسة تشتمل العناية به بالإضافة للعناية بممتلكات الكنيسة الاخرى. كما ان الإدارة الكنسية تتطلب اهتماماً بدستور الكنيسة وما يمليه من حيث طريقة اتخاذ قرارات الأعضاء واللجان المختلفة. كما يتطلب قيادة واشراف تنظيميين على تقسيم العمل (الروحي والإداري) بين الأعضاء بعد تحفيزهم للعمل الروحي.
ان كنيسة اليوم تتطلب حتى عملا أعمق وأكثر تعقيداً لتقوم بواجبها. فعالم اليوم قد جعل الوصول للناس أصعب بكثير. فالمادية منتشرة وهكذا يزيد تعلّق الناس بأشغالهم والطموح المادي. ويلتهي الناس بالمغريات والتسلية في أوقات الفراغ ناهيك عن شبكات التواصل الاجتماعي التي تشكل مخدراً رهيباً لهم لم نسبر بعد غور تأثيره العميق على نفسياتهم. فمن هنا واضافة لنواحي العمل "غير الروحية" التي جئت بها أعلاه، فان الكنيسة تحتاج لآليات عمل مختلفة كل الاختلاف.
لقد انهارت طريقة العمل التقليدية التي بموجبها تدعو الكنيسة الناس عن طريق زيارات او توزيع منشورات للكنيسة فيلبون الدعوة. لقد أصبحت حاجتنا ان تذهب الكنيسة إليهم وتتفاعل معهم في امكنتهم ومواقعهم بطريق ووسائل خلاقة وجديدة. وحتى ولو حضروا الى الكنيسة إثر دعوتهم اليها او بسبب علاقة شخصية مع أحد افرادها او راعيها- فان طريقة الخدمة والصلاة الكنسية التقليدية لا تجذب بالضرورة هؤلاء الضيوف ويتطلب الامر ملاءمة دقيقة وابداع للوصول للنفوس.
نظراً لكل هذا فان طريقة العمل التقليدية التي يقوم بها الراعي (وزوجته) بكل شيء لم تعد ممكنة-لا من قريب ولا من بعيد. فراعي الكنيسة ليس سوبرمان. ان خدام الانجيل هم اشخاص أمناء تعلموا وتدربوا قبل سنين في كليات لاهوت عن فن الوعظ والخلفيات التاريخية والاجتماعية للعهدين. تعلم قسوس الغد اللاهوت النظامي والمداخل للعهد القديم والجديد والانبياء الصغار وكتابات بولس والكالفينية والارمينية والأخرويات واليوناني وعلم الارساليات وربما بعض اللاهوت العملي. وحتى لو برعوا في دراسة هذه المناهج الضرورية وتطبيقها واتّسموا بالعقل المفتوح والثقافة والنشاط والتجربة الدائمين، لكن أصبح من المستحيل قيادة الكنيسة-كما يجب ان تكون اليوم- لوحدهم.
وحتى قبل اشراك رعاة الكنائس لغيرهم في أمور قيادية في الكنيسة، يتوجب ان يكون لديهم إلمام ومعرفة أوليين في الشؤون المالية والإدارية ودراية بالثقافات والسياسة وما يجري في مجتمعها. ومثله مثل مدير مؤسسة- فعلى الرغم من انه لا يتوجب بالراعي نفسه ان يعرف ويتقن كل نواحي العمل الكنسية المختلفة، لكن يتوجب ان يحصل على معرفة أولية وفهم أساسي بها لكي يقودها. وهذا يتطلب التواضع في سبيل التدرب والتأهل في نواحي العمل الأخرى ذات الصلة. عندها يمكنه تكوين فرق للعمل والمساهمة في تشكيل رؤيا وارسالية ووضع اهداف لتتميم الكنيسة لما دعاها الرب اليه.
لقد ازدادت الحاجات وتعقدت وإذا أردنا ان نكون أمناء في تتميم رسالتنا، فحريّ بنا استغلال كل العقول والموارد والطاقات وشحذ الهمم في سبيل اقلاع الكنيسة وتحليقها. عندما تحلق كالنسور
تحلق بمعونة الرب وبركته في فضاء عالم اليوم الممتلئ بالثقافة والمادية والالحاد واللهو والعلم – عندها وعندها فقط - فهي تغيّر وتؤثر وتستميل النفوس وتجذبها.