ان الرحمة والنعمة والتعاطف والاهتمام بالضعيف مجبولة في نسيج المسيحية. ان أحد اشاراتها في الانجيل هو عندما نهى الرب بكلمات قاسية عن العثرات في حياة المؤمنين. وحري بنا الانتباه لكلماته بهذا الصدد، اذ حذر يسوع من تصرفات من يُعثِر الناس وقال:
" فان اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها وألقها عنك. خير لك ان تدخل الحياة أعرج او اقطع من ان تلقى في النار الابدية ولك يدان او رجلان. وان اعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك. خير لك ان تدخل الحياة اعور من ان تلقى في جهنم النار ولك عينان. (متى 18: 8-9)
لقد قصد يسوع تحذير اناس معينين ممن يُعتبرون "ممثلين للمسيح"” ولكنهم يتصرفون بعكس من مثلوه، وبهذا يُبعدون الناس عن المسيح. فالناس العاديين يسيرون في طرق عديدة ويحاولون اكتشاف كنهها ويمكن ان سبيل الايمان يكون أحد روافدها. ولكن تصرف بغيض لهؤلاء "الممثلين للمسيح" يجعل الناس تعثر في مسيرها باتجاه تلك الغاية المنشودة. لسان حالهم يقول: "إذا كان هؤلاء هم ممثلو المسيح على الأرض، فاني افضّل ان أبقى بعيداً".
مما لا شك فيه ان الايمان المسيحي يحمل كامل الطهارة ويحمل اسمى القيم ومصدره هو ابن الله نفسه مخلص البشرية الذي لم يعمل خطية بل ترك عرش السماء ليموت عن البشر في اجمل واسمى عمل محبة وتضحية في التاريخ. وكنت تتوقع ان تجد اتباع المسيح وبالذات المؤتمنين على كنيسته بنفس الروح وذلك فعلا موجود. فهناك الكهنة والقسوس والقادة الروحيين الذين تناسب حياتهم ايمانهم وهم سبب للبركة ومصدر اعجاب اذ تتناسب حياتهم مع ذلك الايمان الطاهر. لكن هناك حالات تشذ عن ذلك الواقع ولا توجد طائفة او تيار في المسيحية لم يقع افراد منها في اعمال او أقوال عثرت الناس في طريقها.
ان هذه العثرات تشيح بنظر الناس عن الايمان بالله اذ يقولون في سرهم (او علنهم): اذا كان ممثل هذا الاله هو شخص من هذا النوع، والممثل يطابق بأعماله اجمالاً تعليم هذا الدين، فاني فقدت اهتمامي بذلك الدين!
ويستمر المراقب بتحليله فيقول: أما اذا قلت لي ان هذا "الممثل" لا يتصرف بما يلائم الدين المسيحي، فهناك احتمالين: الأول أن دينهم كما يبدو غير مؤثر ولم يغيّر تصرفات الممثل والثاني- ان القيادة الدينية لم تتدخل لتصرف هذا الممثل عن موقعه "التمثيلي". وهكذا وفي كلتا الحالتين- تخسر طريق الايمان وتصطبغ بالوان داكنة ومنفرة بسبب النفر القليل الذي تصرف بما يعارض الايمان.
وهكذا سيعثر الانسان المستكشف الذي سار في تلك الطريق بضع خطوات وسيقع ويعود ادراجه ليسير في طريق اقل مطبات وحفر.
هناك تصرفات عاثرة بامتياز مثل السرقة او الغش او الطمع واستغلال الايمان لتكديس الأموال وغيرها ولكن هناك تصرفات وتوجهات أخرى تعثر الآخرين وأشهرها النفاق والعنصرية او التملق للقوي والسلطة وغيرها.
لا نتوهم طبعاً ان كل قائد روحي سيكون كاملاً ومثالياً في تصرفاته، فجميعنا بشر وجبلتنا ساقطة. ومما لا شك ان جميعنا نتوخى رحمة ربنا واحسانه فنحن عرضة للسقوط فيما قد يعثر الآخرين. ولكن أفضل ما يمكن ان نعمله هو التشديد على حياة القداسة والتدقيق وضرورتها في حياة المؤمنين.
كما ان اعتبار نظافة اليد بالعلاقات بين الجنسين وفي شؤون المال يتوجب ان توضع كمعايير أساسية في الكنائس عند بحث رسامة او ترقية او توكيل بخدمة.
ان نظام محاسبة ومراجعة وتقييم دقيقين وفعالين في الكنائس لكل من يخدم بها، سيخفف حالات وقوع القادة رغم قلتهم فيما يعثر الآخرين. كما انه سيكون إشارة طيبة لكل من ينظر ويراقب ما تعمله كنائسنا فعندها وحتى لو بدَرَ ما يمكن ان يعثر الآخرين- فان جهاز المحاسبة الفعال هو إشارة لمن هو عرضه لأن يتعثر، ان يعرف ان التوجه العام للكنيسة لا يساوم في هذا الامر- وهو مثار اعجاب.