يقال ان الكنيسة هي الهيئة الوحيدة القائمة لأجل من هم ليسوا أعضاءها. وهذه المقولة متجذرة في التعليم الكتابي الذي يرى بالكنيسة جسد المسيح القائمة لإتمام المأمورية العظمى. فهي التي اوكلها الرب لتأخذ الانجيل للعالم ولتبني ملكوت المسيح على الأرض. هي لم تقم لتكون مكان التهاء لأعضائها المفديين بالدم ولا هي نادي لصرف الوقت حتى يحين موعد الموت او مجيء المسيح- ما يحدث منهم اولاً.
ولكن هذا التعريف يتطلب تغيير العقلية والتوجه في كنائسنا. انه يتطلب ديناميكية تغيير وتحديث وانفتاح بحيث تجذب النفوس اليها. إذا كانت الكنيسة قائمة لأجل من هم ليسوا أعضاءها، فحريّ بها ان تفهم ما يحتاجه غير الأعضاء وما هي الآلية المناسبة لتوصيلها اليهم.
من حيث صُلب الحاجات- فهم طبعاً يحتاجون للخلاص ولفهم قصد الله لحياتهم وايضاً لحاجات تعليمية وتلمذة وتسلية وعلاقات اجتماعية وغيرها ولا خلاف حول ذلك.
اما من حيث وسائل ايصالها فاعتقد انه من الضروري ان تقوم الكنيسة ببحث ميداني كامل لمعرفة كيف ينظر "غير الكنسيين" اليها وما يمنعهم من ارتيادها. يتوجب ان الكنيسة تعرف وتعيش نبض الشارع فتعرف الميول والاهتمامات وما يشغل الناس وكل ذلك لكي تحدد كيف ستتعامل مع جمهور الهدف لتجذبه وتقربه وتقدم له الرسالة برزمة جذابة تناسبه دون الانتقاص من جوهرها.
فاذا كانت موسيقى أكثر عصرية وآنية هي ما سيجذبهم، فمن الضروري الغاء الالحان وآلات الموسيقى القديمة! فالرسالة هي الموحى بها ولكن الموسيقى متغيرة. يتمسك البعض بنمط موسيقى وترنيم وتسبيح وليتروجية معينة لأنه من جيل قديم او لأجل التراث والعادة والمألوف. الالحان والكلمات السريانية او اليونانية او الرومانية او الإنجليزية او حتى العربية بالفصحى غير المفهومة غير موحى بها، وإذا وجدنا فعلا انها لا تكلم الناس خارج الكنيسة فعندها يتوجب تغييرها او قل تعديلها لتناسب الناس وتجذبهم للحضور لسماع الكلمة. صحيح ان التراث والتقليد الكنسي جميل ويجذب البعض، ولكن يتوجب ان يرافقه أسلوب عصري يلفت النظر ويجذب النفوس ليحضروا خدمات كنائسنا. طبعاً هناك من سيقول ان بعض الموسيقى هي ذات طابع شيطاني وتهيّج الجسد او لربما ان سياق موسيقى معيّنة في الكنيسة ينفر البعض الآخر لارتباط الموسيقى بسهرات اعراس او كونسيرت غنائي غربي راقص. جل ما في الامر انه يتوجب دراسة وتمحيص الامر وليس اتخاذه كمسلّم به وكمفروغ منه.
كثير ما تتقوقع كنائسنا في أسلوب تسبيح وترنيم معين وتستصعب قبول أي أسلوب جديد. هل نقبل بموسيقى الراب في كنائسنا؟ هل نقبل بموسيقى الروك اند رول فيها؟ ماذا مع الموّال؟ واذا كان الجواب بالنفي- فلماذا؟ اليس من المفروض ان تسعى الكنيسة لتجذب الآخرين بعد ان فهمت نبضهم وميولهم واذواقهم؟
ويتعدى الامر مجرد الموسيقى والتسبيح ليشمل تقديم رسالة الوعظ بالإنجيل، اذ يتوجب ان تأخذ الكنيسة بالحسبان "فتيل" الناس القصير وبالذات الضيوف الذين سعت الكنيسة لتجذبهم للحضور لخدماتها. كما يتطلب الامر تغيير لغة الكلام الكنسية/ الكتابية واستبدالها بقدر الإمكان بلغة مفهومة يقدر المستمع "غير الكنسي" فهمها. كما انه من الضروري استخدام المرئيات والسماعيات الحديثة بالإضافة لإمكانيات الانترنت غير المحدودة..
وفوق تقديم الحاجات وأساليب تقديمها من حيث ملاءمة الموسيقى والتسبيح والوعظ هناك ايضاً جودة التقديم. فمن الاسفاف ان تقوم الكنيسة بتقديم برنامجها الروحي دون تحضير واعداد جدي ودون توكيل المؤهلين لكل عمل وممارسة ودون تميّز وجودة تقديم. ان انعدام ذلك يقود الى ضجر الناس وابتعادهم عن الكنائس التي تقوم بعملها بتساهل وتغافل. كما يقود الناس وللأسف لينظروا لرسالة الكنائس نظرة دونية ولسان حالهم يقول: لو كانت رسالتهم مهمة كما يدّعون، فانهم كانوا سيستثمرون الجهد والنشاط ويضعون لمسة التميّز فيها.
حري بكنائسنا ان تستيقظ من سباتها وتقوم بدراسة ميدانية عميقة حول نبض الشارع وتعدّل خدماتها بحيث يلائم ايقاعها من هم خارجها لتجذبهم اليها وتكسبهم وتتمم بهذا المأمورية العظمى.