وصية "لا تقتل" هي إحدى الوصايا العشر التي اعطاها الله لموسى. وأكدها الكتاب المقدس عبر التاريخ في العهدين القديم والجديد. وعندما نسمع هذه الوصية نهز رؤوسنا وكأنها لا تعنينا بل تتحدث عن المجرمين والسفاحين، فنظن أنه لا علاقة لها بالكنيسة وسلوكيات أولادها وبناتها. والغريب أننا نعيش في بلاد تفننت بالقتل وتحتاج أن تسمع صوت الكنيسة في هذا الأمر. ولهذا تحدّث المسيح عن هذا الموضوع المهم في الموعظة على الجبل مؤكدا أننا بحاجة أن نعيد تفكيرنا في مفهوم القتل.
يعتقد الكثيرون أن القتل هو انهاء حياة إنسان بدون حق. ربما يكون هذا أحد التعريفات القانونية إلا أن النواحي الإيمانية أوسع من الفكر القانوني لاسيما كما يشرحها البابا شنودة في شرحه للموعظة على الجبل. ولا أنكر تأثري بكلماته إذ تبنيت الكثير من فكره وأطّرته بكلماتي في هذا المقال.
يشمل القتل الجسدي إجهاض الأولاد. وعندما يشترك الطبيب في قتل الطفل قبل ولادته فإنه قاتل. وعندما توافق الأم والأب على اجهاض الطفل. فإنهم قاتلون. ويتحدث الكثيرون عن الحالات الشاذة ليجعلوا منها قاعدة تسمح بالاجهاض. يُعارض هذا المنطق كلمة الله التي تعتبر كل إنسان قبل وبعد الولادة مخلوقا على صورة الله. ومهما تكن حالة الطفل الصحية أو العقلية فإنه إنسان يستحق الحياة وإلا فلنتبنى الداروينية الاجتماعية ونقتل كل من هو مريض وضعيف. فالبقاء للأقوى!
إضافة إلى ذلك، يشمل القتل الجسدي، انهاء حياة المسنين والمرضى، بطرق طبية وكيماوية. فلا نحترم قيمة الحياة بل نعمل على قتل المُسن والمريض.
ويشمل القتل الجسدي طرق القتل البطيئة مثل التدخين والسكر والمخدرات والأكل غير الصحي. فهذا نوع من القتل الجسدي البطيء. وربما نضيف اهمال العناية بالجسد مثل حرمانه من النوم أو عدم ممارسة الرياضة أو تناول الأطعمة بكثرة أو تناول الأطعمة غير الصحية. لقد اعطانا الله اجسادنا أمانة فلنحافظ عليها.
ونقتل الآخرين باهمالنا عندما لا نعتني بمركباتنا فتصبح خطرا يسير على الشارع وقد تسبب القتل. نقتل الناس عندما لا نمنع الموت عنهم. فإن رأينا الشر وأدوات القتل تقترب من أولادنا وتركناهم يموتون فنحن مذنبون بقتلهم لأننا لم نفعل شيئا. وماذا عن الذين يموتون حولنا من أطفال وشيوخ بسبب القرارات السياسية؟ هل يجب أن نتكلم لنمنع القتل عن المساكين والمظلومين والذين لا صوت لهم؟ وعندما نصمت، هل يشجع صمتنا استبداد الظالم وامتداد ظلمه؟ إن كان كذلك فنحن قاتلون لأننا مشتركون في القتل.
يعتقد البعض أن القتل هو متعلق بالجسد فحسب. ولكننا قد نقتل أولادنا بعدم تعليمهم كيف يعيشون حياة صحيحة وكيف يعبرون الشارع مثلا أو كيف يرفضون المخدرات. وأحيانا نقتل شركاء حياتنا بتنغيص حياتهم باستمرار فيرتفع ضغطهم ويُصابون بجلطة ونكسة صحية. وأحيانا نقتل جيراننا بطريقة قيادتنا لسيارتنا فندمر أعصابهم يوما تلو الآخر حتى يموتون من الضغوطات النفسية. إضافة إلى ذلك، يشترك بعضنا في القتل الروحي إذ نمنع الحياة الأبدية عن البشر حولنا. فربما لا نخبرهم عن كيفية النجاة من الدينونة الأبدية ولا نشرح لهم محبة الله التي أعلنها في المسيح فيموتون إلى الأبد. فكيف يؤمنون إن لم يسمعوا الإنجيل؟ وربما يقتل الراعي رعيته عندما لا يمنع البدع والهرطقات من تدمير الكنيسة، أو عندما يهمل رعاية شعبه وانذارهم فيهلك الشعب لعدم الرعاية. فعدم انذارنا الشرير والبار يجعلنا قتلة ويطلب الله دمهم من يدنا (حزقيال 3: 18 – 20). فيجب أن نطلب الخروف الضال وإلا سيطلب الله دمه من يدنا.
لا يهدف هذا المقال إلى دينونة الناس حولنا ولكنه يدعونا إلى التفكير في وصية "لا تقتل" كخطاة نحتاج إلى رحمة الله. فجميعنا قتلنا المسيح بخطايانا. وقتلنا أيضا الكثيرين بخطايا التقاعس والاهمال وسوء التصرف. يا رب سامحني أنا القاتل وارحمني لأنني لا استحق إلا الدينونة ولكنني استرحمك بالمسيح الذي هو وحده يمنحنا الحياة التي تدوم إلى الأبد.