يتغنى الناس بالحب (او المحبة) ويضعونها في اعلى مرتبة. ويركض الناس اليها وفي اعقابها ويضحّون بالغالي والنفيس في سبيل الحصول عليها. الحب يحرك الابداع والعمل والنشاط والتكريس: فحب الوطن هو الوقود لبنائها. وحب الله هو ما يدفع أناس على مر العصور لترك بيوتهم والسفر لخدمة الغير. وحب اولادها هو ما يحرك الأم لتشتغل نهاراً وليلاً لتأمين راحتهم . اما حب الذات فهو المحرك لحصول الحروب والاقتتال.. وتصل شدة المحبة لدرجة قتل الناس لأنفسهم في سبيل ما يفهمونه كحب الوطن او ما يظنونه حب الله او محبة النفس لدرجة الإحباط والقنوط. ان المحبة فعلا قوية كالموت.
لكن مثال المحبة هو الله. ونوع المحبة الاجمل والاقوى والاعظم هو تلك المحبة التي من الله.
لقد ارتفعت محبة الله في قياسها ونوعيتها وتصميمها وتعبيرها حتى وقفنا حائرين امامها وقد فشلنا في فهم مكنوناتها وعمقها.
تبرز خاصية هذه المحبة بأربعة عناصر هي اولاً في هوية الله المحب وثانياً في هوية الانسان الذي احبه الله وثالثاً في نوع وعمق وكيفية هذا الحب ورابعاً في ثمنها.
ان هوية الاله المحب تضعنا في خوف ورعدة من جلاله وجبروته وقوته السرمدية. انه خالق الاكوان باتساعه الهائل على تفاصيله الدقيقة (انظر أيوب 38: 4 فصاعداً). انه حامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عبرانيين 1: 3). انه الازلي السرمدي. المكتفي بذاته. البداية والنهاية. الطريق والحق والحياة والباب. انه ليس ملك اعتيادي ولكن ملوك الأرض كغبار عند رجليه. يمكنه بكلمة واحدة ان يبطل الكون ويهدمه بالتمام.
اما هوية الانسان فتتلخص بالمقابل بأنه صغير وضعيف ومحدود وخاطئ ولكنه يضع نفسه في المركز ويتمرد في كل لحظة على الاله خالقه فيلعنه ويسبه ويخالف أقواله. ان ارتباك صغير في دقات قلبه يودي بحياته. ان ارتفاع عدة درجات فقط من حرارة جسمه ينهي أيامه. ان إزاحة دقيقة لمسار حركة الارض حول نفسها او حدوث هزة أرضية او إعصار او ارتفاع في درجات الحرارة- تعرض حياته للزوال والفناء. رغم هشاشته المفرطة واعتماد استمرار نَفَس حياته عليه، غير ان هذا الانسان يرفع رأسه ليتحدى الله خالقه. انه يتجاهله في حياته اليومية ولكن باجتياح عاصفة فشل او ازمة صحية او خلاف عائلي- يكيل الاتهامات لله ويعزي لإله الخير كل الشر! انه الانسان الجحود الذي لا يؤتمَن والخاطئ الشرير. انه الانسان المتفكر بالشر، المتميز بالأنانية والكاره لأخيه. وجميع بني البشر أسواء عنده ودون استثناء يعيشون حالة تمرد ضد الله وان تباينوا في مدى ذلك العصيان.
ان ذلك الاله القدير العظيم خالق الانسان ومعطيه الحياة ارتضى ان يحب الانسان الذي يخطئ اليه باستمرار. لم ينتظر ان يهلك الانسان بشروره، ولكن خالق الكون والمتسلط عليه ترك عرش ألسماء واتى طفلا رضيعاً مولوداً في مذود في فلسطين قبل الفي عام ليخلصه. الطريقة الوحيدة كانت ايفاء عدل الله وهو القدوس كاره الخطية وكارهها. العدل تطلب موت الانسان بعدما اخطئ تجاه الله. لكن الله أراد الحياة للبشر- خليقة يديه - ولمحبته الفائقة قرر ان يدفع هو الثمن. فعاش في ارضنا وسار الى الصليب ومات من لم يفعل خطية عليه. وهكذا أكمل استحقاق القصاص الذي كان من المفروض ان يدفعه ويوفيه الانسان. اجتمع في الصليب دفع استحقاق قضاء الله وتلك المحبة الفائقة التي ليس مثيل لها. وكانت تكلفة تلك المحبة فعلا فائقة. مات ابن الله على خشبة الصليب وسفك الدم الكريم ودفع ثمن خطيتنا كاملاً.
فكتب الله في موت ابنه -الاقنوم الثاني يسوع- انشودة أعظم قصة حب رآها او سيراها التاريخ. انها قصة حب لا يعبر عنه. تقاس عظمتها بمقدمها إله الكون وبهوية مستلمها (الجنس البشري الساقط الجحود) وبنوعيتها وثمنها- مبادرة الهية وتكلفتها وهي موت ابن الله نفسه.
هل تحبه مقابل ما فعل لأجلك؟!