كره يسوع المراءة (النفاق) ووبخها وادانها في سلسلة طويلة من الآيات (مثلاً: متى 6: 2، متى 23: 14، 15، 23، 25، 27 ومرقس 7: 6 ولوقا 11: 44). ان تعريفها في معجم "المعاني" هو ان يفعل او يُظهِر المرء تصرفاً عكس ما هو عليه وذلك ليكسب ود الناس.
وقد ترجمت الكلمة بالانجليزية Double Face أي متعدد الوجوه- أي حين يظهر وجه مختلف لكل حالة ووقت.
وتتعدد الأسباب التي تحذو بالإنسان ليصطبغ بغير حقيقته وأكثرها شيوعاً السعي في سبيل كسب استحسان الناس او نيل مكسب مادي او معنوي. ولربما كانت الصفة مكروهة بالذات حين ينطوي العمل الذي يقوم به انسان ما على استغلال واستخدام الدين للحصول على استحسان الناس او لتأكيد خضوعهم او احترامهم، في الوقت الذي يبتعد المرء في حقيقته عن جوهر الدين وقيمه (كما اشتهر الفريسيون بذلك ومن هنا انتهرهم الرب شر انتهار).
ويندرج الموقف الإلهي المبغض للنفاق مع التوجه الذي نراه في الاناجيل حين لا يكتف الرب يسوع بالتنديد بخطايا ظاهرية وانما ينظر الى العمق والى المنبع والجذور التي ولدت هذه الخطية الظاهرية. فينظر ابعد من "مجرد" الغضب ويعتبر منبعها هو ذاته منبع القتل (متى 5: 21). ينظر يسوع ابعد من "مجرد" نظر انسان لامرأة ليشتهيها ويعتبرها زنى ضدها في قلبه (متى 5: 27).
انه نفس توجه يسوع اذ يمعن في قلب الانسان لرؤية حقيقته ويساويه مع الأفعال والتصرفات الخارجية، متجاهلا ما يراه البشر كفجوة بينهما.
في نهاية الامر يرفض الرب النفاق والازدواجية فهو ينادي بشخصيات اصيلة وحقيقية لا تميزها الازدواجية.
ان يسوع هو النموذج للإنسان الكامل والمثال الذي أراد الله ان يتمثل به الجنس البشري. ويسوع عرف بصدقه واصالته وحقيقته وتماثل ما في داخله مع ما يبدر منه. من هنا فان تصرف او كلام يناقض ذلك ويكشف ازدواجية بين مكنونات داخل الانسان وحقيقته وبين المكشوف في خارجه- مرفوض ومقيت في عيني الرب ويتوجب ان يكون كذلك عندنا نحن ايضاً.
لا اعمم ولكنها صفة فارقة عرفت عن العرب انهم وللأسف يتميزون بهذه الازدواجية. فالعربي يقول شيء ويعني شيء آخر ويجامل يمنة ويسرى (وهي من أنواع النفاق الاجتماعي ولربما تكون أقل وطأة من اختها "النفاق"). انه يلقي الكلام على عواهنه ولا يمكنك ان تحاسبه عليه. اذا نبس ببنت شفة في الليل – ينكر ذلك في النهار ف-"كلام الليل يمحوه النهار". واذا وعد، يكذب ويخلف بوعده. اليس "الكذب ملح الرجال"؟
وفي الوقت الذي اشتهر العرب بالفروسية والكرم (المبالغ به بحسب رأيي) لكنهم سقطوا اما في السذاجة لجهلهم او عدم الثبات على كلمتهم وهي من عائلة النفاق الموسعة.
ولقد اوجدت وسائل التواصل الاجتماعي مجالاً واسعاً للنفاق الاجتماعي. فالانسان يكشف امام العالم الافتراضي الجانب الجميل من حياته ويترك تحدياته وصعوباته بعيداً عن العينين. ويمكن للإنسان ان يختبئ وراء تلفونه الذكي او حاسوبه ضمن شبكات التواصل الاجتماعي ليكتب لصديقه الافتراضي كلاماً معسولا او ليضرب له "لايكات" في الوقت الذي قد لا يضمر سوى الشر.
ان كان ذلك في العالم الحقيقي او الافتراضي – يتوجب قطع دابر هذه الصفة المقيتة ومن يستطيع فعل ذلك هم اتباع المسيح في الشرق بحيث يهبوا لمناهضة هذا الفكر "النفاقي". يتم ذلك فقط عن طريق نموذج حياتهم العملي. ببساطة -يتوجب ان يعرفهم الناس كصادقين- يقولون ما يفكرون ويفكرون ما يقولون. يتوجب ان يكونوا من اهل "نعم نعم ولا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (متى 5: 37).