قبلتُ الربَ يسوع مخلصاً وسيداً. [1] ومنذ ذلكَ الوقتِ وأنا أحاولُ أن أتبعَهُ في بلدٍ مليءٍ بالحروبِ والعنصريةِ وبصراعِ الشعوبِ. [2] وفي نهاية الثمانينات من القرن الماضي لم أعرفْ كيفَ أتعاملُ معَ الانتفاضةِ الفلسطينية كإنجيليٍ يؤمنُ بسيادةِ يسوعَ المسيحِ وبوحيِ الكتابِ المقدسِ. [3] فهلْ أنضمُ إلى إيليّا التشبي واعتـرضُ على سلبِ اراضي أناسٍ أبرياءٍ أمْ أصمتُ أمام ظلم إيزابل (ملوك الأول 21)؟

ثمَّ واجهتُ العديدَ من الحروبِ في بلادي وتحيّـرتُ في موقفي كمسيحيٍ. هل أصبحُ مقاتلاً كيشوع أحاربُ أعداءَ الله أم أقاومُ الشرَ كيسوع محاربا العداوةَ بمحبة الصليب؟ هل أحملُ حجراً كداود أم أموت شهيداً كاستفانوس؟ هل أقاتل باسم "الوطنية" حتى اتباع يسوع في دول مجاورة أم أقاتل باسم الدين كل أنواع القتل وسفك الدماء؟ وتساءلت: كيفَ أتصرفُ وآلافُ الأطفالِ يُقتلونَ من حولي؟ ورأيتُ العديدَ من المسيحيين في العالم يؤكدونَ أن الكتابَ المقدسِ يتحدثُ عن رجوعِ اليهودِ إلى فلسطين وعن تكوينِ دولةٍ يهوديةٍ ستتحققُ فيها النبواتُ. [4]

وكلما أحاولُ الإجابةَ عن هذه الاسئلةِ يتّهمني البعضُ بأنني سياسيٌ ويجادلون أن التركيـزَ على خلاصِ النفوسِ أفضلُ من ملاحقةِ القضايا السياسيةِ والاجتماعيةِ. ولستُ متأكداً إن كانَ المقصودُ من خلاصِ النفوس خلاصَ الروحِ أم خلاصَ الإنسانِ والعالم والإنسانيةِ بأكملها من كل خطيةٍ. ويصبح دُعاة "خلاص النفوس" غنوسيين يتجاهلون اهتمام الله باجسادنا وبالخليقة الجديدة الملموسة والمرئية. وينادون بهجرة النفوس أو الأرواح إلى السماء بدلا من تحقيق رؤية الله بقدوم الملكوت السماوي كما في السماء كذلك على الأرض.

وتكاثرت الاسئلةُ في ذهني: فماذا عن التجنيدِ؟ هل يحق للمسيحي أن يخدمَ في الجيشِ؟ [5] وماذا عن الخطايا التي ترتكبها الدولُ عندما يُسفك دمُ الأبرياءِ ويُشرّعُ الظلمُ؟  وكيف نتبع يسوعَ في عالمٍ مليءٍ بالسياسةِ شئنا ذلك أم أبيناه؟ كيف نتبعه في زمنٍ تسودُ فيه الحروبُ وينتشر الظلمُ والعنصريةُ والقتلُ والعنفُ ويسيطرُ ظلمٌ متجذرٌ في قوانينٍ محابيةٍ؟ ما هي مسؤوليتي كمسيحيٍ تجاه الفقراءِ والأراملِ؟ وهل يجب أن أدعمَ القوانينَ التي تنشرُ العدالةَ الاجتماعيةَ وتعتني بالمهمشين أم أن اللهَ يريدني أن أبتعدَ عن كل ما يتعلق بالسياسة والدولة؟ [6] هل أصوّتُ في الانتخابات وكيف أفعلُ ذلك كمسيحيٍ؟

وفي حديثي مع عددٍ من الخدام الذين أحبهم وأثمّنُ رأيَهم اكتشفتُ سبعة أمور سأشاركها معكم في المقال القادم.

[1]  نُشر هذا المقال سابقا في حنا كتناشو، "الإيمان والسياسية: سبعة اكتشافات شخصية في رحلة إيماني،" الصفحات 9 – 18 في مسيحي ومواطن؛ القاهرة: دار الثقافة، 2017. ولقد تم تعديله وإضافة بعض الأفكار إليه ليناسب متصفحي الشبكة العنكبوتية.

[2] للمزيد من المعلومات عن تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي راجع كتاب الدكتور اليكس عوض

Alex Awad, Palestinian Memoirs (Bethlehem: Bethlehem Bible College, 2008).

[3] كتب العديد من الفلسطينين المسيحيين (غير الإنجيليين) اعمالا لاهوتية مهمة في هذه الفترة ولكن الإنجيليين الفلسطينيين لم يتعاملوا مع القضايا السياسية من منظور إيماني كتابي. بعض الكتابات الفلسطينية المهمة التي صدرت في نهاية الثمانينات هي كتاب القس الانجليكاني نعيم عتيق والمعلم الكاثوليكي جريس خوري. ولقد اعيد نشر هذه الكتب عدة مرات. للمزيد من المعلومات راجع جريس خوري، انتفاضة السماء وانتفاضة الأرض (الطبعة الثانية. الناصرة: المؤلف، 1990)؛ نعيم عتيق، الصراع من اجل العدالة: لاهوت التحرر الفلسطيني (بيت لحم: دار الكلمة، 2002). لقد صدر الكتاب الأخير باللغة الانكليزية سنة 1988 وبعد تأثير الكتاب الكبير على العالم الغربي تم ترجمته إلى اللغة العربية.

[4] للمزيد من المعلومات عن موضوع آخر الآيام من منظور فلسطيني راجع حنا كتناشو، "لاهوت آخر الأيام من منظار فلسطيني،" مجلة اللقاء 24 (2009): 106 – 116. راجع أيضا

 Yohanna Katanacho, The Land of Christ (Eugene: wipf & stock, 2013).

[5] للمزيد من المعلومات راجع البير صليبا، "الحرب العادلة في الفكر المسيحي،" (رسالة الماجستير في الخدمة المسيحية والقيادة، كلية الناصرة الإنجيلية، 2015). راجع أيضا

Una McGahern, Palestinian Christians in Israel: State Attitudes towards non-Muslims in a Jewish State (New York: Routledge, 2011).

[6] يصارع الأنجيليون في وصف علاقة المؤمن بالسياسة ولقد صدرت عدة كتب في الولايات المتحدة التي تتحدث عن السياسة ولكنها للأسف ضيقة الأفق وتنظر إلى السياسة من منظور الإيمان الإنجيلي والسياسة الأمريكية فقط. أنظر على سبيل المثال لا الحصر

Wayne Grudem, Politics According to the Bible: A Comprehensive Resource for Understanding Modern Political Issues in Light of Scripture (Grand Rapids: Zondervan, 2010); Philp Yancey, Christians and Politics Uneasy Partners (Brentwood: Creative Trust Digital, 2012).