انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي العالمية حملة تحت هاشتاج Me too# أي "أنا ايضاً". جاءت الحملة بعد الكشف عن سلسلة الاعتداءات الجنسية التي قام بها المنتج الهوليودي هارفي فاينشتيان. فقامت الممثلة اليسا ميلانو بدعوة النساء التي تم الاعتداء عليهم من رجال ان يضعوا الهاشتاج المذكور على صفحة الفيسبوك او على التويتر، ليظهروا للعالم ضخامة مشكلة الاعتداءات الجنسية وعدم اقتصارها على فاينشتاين او غيره.
وانتشرت الحملة بشكل منقطع النظير على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم ومن بينها في إسرائيل. وفي البلاد تم فضح شخصيات معروفة أمثال الكس غلعادي عضو الاتحاد الأولمبي العالمي ورئيس شركة كيشت وهي من أصحاب الامتياز للبرامج في القنال الثانية وهي القنال الأكثر رواجاً في إسرائيل) وايضًا الإعلامي المعروف غابي غازيت وحتى نبشوا قبر الوزير السابق والإعلامي المعروف طومي لبيد (والد وزير المالية السابق ورئيس حزب "يش عتيد" يئير لبيد) وقصّت صحفية معروفة كيف ان الفقيد اعتدى عليها جنسياً هو الآخر. بحسب تصريحات نساء مختلفات اعتدى هؤلاء وغيرهم جنسياً عليهم واستغلوا سطوتهم وموقعهم المهني والوظيفي للقيام بذلك.
طبعاً هناك مدى لشدّة الاعتداءات الجنسية مع ان جميعها مرفوضٌ من أساسه. فهو يتراوح في حده "الأدنى" ما بين كلام يشتمل إساءة جنسية ولست في مجال تعريفها هنا فلقد صارع المشرّع في إسرائيل في وضع الحدود لها، وانتقد بعض الرجال التعاريف القانونية لها فادّعوا انها ستمنع ليس فقط كلام مسيء وانما حتى الغزل! أما في حدها الأعلى فهناك الاغتصاب.
ان الاعتداء الجنسي في كافة صوره وفي مداه، يجسد كل الاعاقات النفسية والاجتماعية وحتى الطبقية في المجتمع. فهو يجسد السطوة الذكورية، اهانة المرأة، سلب ارادتها الحرة وانتهاك جسدها فيعتبرها الرجل سلعة هدفها متعة الرجل. وتترك هذه الاعتداءات ندبات مؤلمة في الكيان والنفس لا تمحى اثارها مدى الزمن. انها تجسد كبت ذكوري مريض ونظرة فوقية تجاه المرأة وتتسامح معها المجتمعات المتخلفة وللأسف بعض التجمعات الدينية في الشرق خاصة!
لقد وضع الرب وصية عدم الزنى ما بين منع وصايا القتل ومنع السرقة في الوصايا العشرة (خروج 20: 14). وهي عملياً تشمل ملامح من الاثنتين فهي تشمل قتل للإرادة (وربما قتل لعنفوان وفرح وأمل في الحياة عند المرأة) وسرقة وانتهاك لشيء ثمين وهب الله إياه للمرأة. اما يسوع فقد وسّع تعريفه للزنى عن طريق البحث عن سببه ومنبعه في القلب، اذ قال:" واما انا فاقول لكم: ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه". (متى 5: 28). كالعادة رفع الرب يسوع المستوى، وطالب بتصرفات تحمل قيم نظافة النظر والبراءة والعفة والاحترام من الرجال والنساء على السواء.
ان انتشار الفضائح التي كشفت هؤلاء المعتدين في الغرب عامة وإسرائيل خاصة هي وصمة عار للمسيئين أنفسهم، ولكنها شهادة احترام للمجتمع ككل. لم تتردد تلك النساء ان تكشف هوية المعتدين رغم مراكزهم المرموقة. ستفضي تلك الفضائح حتماً الى تقديم لوائح اتهام وادانات او فصل من العمل او استقالات من مواقع تأثير وباستحقاق!
يؤلمنا ان تبقى الاساءات الجنسية ضد النساء في العالم العربي طيّ الكتمان. تُطالَب المرأة "بالعفة" ويتمثل ذلك باخفائها شكلاً ومنظراً ووجوداً عن الأنظار، بينما يمكن للرجل استغلالها والإساءة اليها بكافة الأحوال ولن ينقذها الا وجود رجل "يحميها" ويهبّ لحمايتها اذا ما سوّلت لطاووس (او قل ديك) آخر نفسه ان يعتدي على "حُرمَته" او "شرفه" او "حَرَمه". انه تسترٌ وطمس من جهة، ولكنه مفضوح وعام من جهة أخرى. وليس سراً ان طليعة الدول العربية وأكثرها تأثيراً وتديّناً مصر تعاني من آفة التحرشات الجنسية في الشوارع دون رادع ولا واعز او ضمير بينما تقف الدولة عاجزة (او ربما غير راغبة) عن وضع حد له. يكبتون المرأة ويتظاهرون باتباع العفة والنهي عن المنكر مذهباً، ولكنهم يطلقون العنان للرجال او يتسامحون معهم بينما ينتهكون تلك الحرمة المزعومة.
قيمة الانسان – ذكراً او انثى- تتمثل في احترام قيمته كمن خُلق على صورة الله وشبهه. يتمثل ذلك في احترام وصيانة حقه في الاختيار. والاساءات الجنسية هي انتهاك لهذا الحق الإلهي ولا يسعنا الا ان نبارك ونحسد المجتمعات التي اثارت هده الحملة التي تفضح وتعاقب –ولو بعد حين- من أراد التستر واستغل غيره في سبيل نشوة غافل وجاهل اثيم.
ان إزالة اعمال الإساءة الجنسية من مخابئ العتمة، حيث لا يراها احد، ووضعها في النور تجعلها مرئية ومكشوفة ومفضوحة لمن يكيد ان يقوم بمثلها. وكما قال الرسول بولس: "ولكن الكل إذا توبخ يظهر بالنور. لان كل ما اظهر فهو نور" (افسس 5: 13)