ان عملية عبادة الرب هي عملية تتطلب تفعيل الذهن. فالمسيح طالبنا بان نحب الله (وهي المفهوم الواسع للعبادة) من كل فكرنا وبولس اسماها "العبادة العقلية".
وفي عملية العبادة ،وعن قصد ابو بدونه، يضع العابد صورة ذهنية للمسيح وهو اما يفعل امرا عظيما في حياة العابد مما يجعله يشكره ويزيد تقديره له، او قد يضع صورة ذهنية للمسيح على الصليب او بالقيامة او بتحننه على الاولاد او بتعامله الالهي مع المرأة الزانية قرب بئر السامرة او غيرها. وطبعا العقل البشري معقد ومتطور اكثر من اعظم حاسبوب بدرجات. فمن هنا تختلط الصورة الذهنية التي تتوارد وتحضر في ذهن العابد بأناس ارتبطوا بالتعليم عن الرب. فقد تراه في الصورة الذهنية على شاكلة او بحسب ما قص عنه الكاهن او القسيس او احد الوالدين الذي كلمك عنه. وقد تختلط بصور من افلام حضرتها عنه او بتصورات لما هو عليه اثر قراءاتك في الكتاب المقدس او حتى في كتب ملونة عن حياة يسوع للصغار.
ونظرا لتدفق المعلومات الهائل وما يسمعه ويقرأه العابد فان الصورة تكون احيانا مشوهة. فقد كثر المدعون باتباعم المسيح وهو منهم براء. فالرأسمالي عديم الرحمة الذي يضطهد ويهمل الفقير يعزو توجهه للمسيحية (بسبب مبدأ المسؤولية الشخصية). والاشتراكي الذي يريد سلب الاغنياء من ثرواتهم باسم الرحمة يدعي بهتانا انه يمثل المسيح الذي ساوى بين بني البشر. والاب الذي قسى على اولاده باسم مبدأ تربية الاولاد وطاعتهم كما جاء في الكتاب المقدس يقول ان توجهه مسيحي هو الآخر. والام التي دلعت اولادها باسم الرحمة تبرر ذلك بمبدأ الرحمة في الكتاب المقدس.
ولا يقتصر الامر على نماذج انسانية تتصرف بمبدأ كتابي بشكل انتقائي وجزئي تاركة المبادئ التابعة والمكملة. ولكن يشوه اناسا صورة يسوع بأن يوصفه احدهم بأنه معلم تورآه يهودي لا غير وآخر انه مناضل فلسطيني للتحرير او آخر انه متشرد متحرر عاش على هواه او ناموسي متعصب وغيرها.
كل هذه الصور والتشبيهات والتأويلات تشوه فكر العابد ناهيك عن الخطية التي تضرب عبادته في الصميم ويحدث اختلال للقيم والمفاهيم مما يربك العقل ويزيل عنه نقاءه الضروري للعبادة. بهذا نبتعد عن الذهن المتجدد (رو 12: 2) ونبقى في ذهن عتيق جمع في باطنه افكار واراء وصور من كل ما هب ودب.
كيف اذا تحفظ عقلك وفكرك؟ كيف تصرف الغث وتبقي السمين؟ كيف تطرد الدنس والمشوة وتبقى الطاهر الحقيقي؟ كيف تستبدل المواد التي لوثها فيروس فتاك بمواد جديدة خالية من اي عطب؟
كانت البروفيسورة منى مارون قد ترأست طاقما من الباحثين في قسم بيولوجيا الاعصاب في جامعة حيفا عمل على محو اجزاء من ذكريات اليمة، مثلا كالتي تطبع في العقل بعد حادث مروع او اغتصاب او تنكيل جسدي. ولربما نحتاج ادوات تدمج ما بين علم الاعصاب والروحانية لتقوم بمثل هذا المسح او المحو للمعلومات والصور الذهنية التي تشوه مفهومنا عن المسيح.
لست خبيرا في الاعصاب وعلم الدماغ ولكن التجربة الروحية تقودني الى الفرضية ان ما يطرد الذكريات المشوهة وغير الحقيقية هو الافكار النيرة والنظيفة والحقيقية. فالنور يطرد الظلمة (يو 1: 5) وسيل الماء يجرف القاذورات. وهكذا وعندما تتبدد الظلمة او تزول القاذورات، يمكن للجو النظيف في الفضاء المضيئ ان يكون مرتعا للعبادة (2 كو 10: 5)
تدخل كلمات الانجيل المكتوبة او المسموعة فتخرج كلمات التحريف والتخريف. تدخل الموسيقى الكنسية او النغمات التي تثير مشاعر الجمال والنبل ،فيخرج الضوضاء والضجيج. نسمح بالمحبة ان تلمسنا، اذا لمسنا نحن الآخرين بها- فتخرج مشاعر الغضب والمرارة والكراهية خارجا.
ومن هنا قال الرسول بولس: اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مسر، كل ما صيته حسن، ان كانت فضيلة وان كان مدح، ففي هذه افتكروا (فيلبي 4: 8).