لطالما تمنيت الّا اولد خروفاً. ضحكت عليّ الحيوانات لأني سمين ولأني بطيء السير. يستهزؤون بي اذ يتهامسون ان وقتي سيحضر لأساق للذبح. كنت اظن ان يعقوب الراعي يحبنا ولذلك يربضنا في مراع خضر حيث نأكل ونأكل.... لكن فهمت الآن انه يريدنا سِمان لكي يكسب المال الوفير عندما يبيعنا.
طرأت عدة احداث عجيبة مؤخراً ألهتني عن استهزاء الحيوانات بي وعن التفكير في مصيري المحتوم.
بينما كنا نستدفئ حول النار في حقل بيت ساحور وفي ساعات الليل، بزغ نور حاد من الأعالي ملأ الفضاء وسطع نور وكأننا في ساعات النهار. لحق ذلك ظهور ملائكة بأصوات رقيقة وجميلة رقصتُ لها فانعشت قلبي وافئدة القطيع برمته. وتحدث يعقوب وزملائه مع الملائكة بكلام لم افهمه ولكنه اضفى جواً من الطمأنينة عليَ. بعد هذا أسرع يعقوب وجمع قطيعه فعاد بنا الى المدينة. استغربت من ذلك، اذ لم نعهد المسير خلال ساعات الليل. وصلنا الى اسطبل وهناك ترك يعقوب باقي القطيع خارج الاسطبل ودخل واخذني معه الى الداخل. هناك لمحت وجه طفل رضيع قمطته امه بأقمشة. لم ارَ في حياتي جمالاً ولا رقة كما ظهر في وجه الرضيع. اما ام الطفل فقد سادت بحنانها وهيبتها على أجواء الاسطبل. عندما دخلنا الإسطبل لم يكن والد الطفل فيه وسمعتهم يقولون انه خرج ليبتاع اكلاً، لكنه حضر لاحقاً واحسست انه طيب ولكني خلته يحمل هماَ في قلبه.
كان البرد قارساً في الاسطبل ومن حبي للطفل قررت ان أساهم في تدفئته بواسطة انفاسي الدافئة. تمنيت لو اعطي فروتي لام الطفل لكي تلفه بها فتزيده حرارة في برد بيت لحم القارس. تحدث يعقوب والرعاة مع الام والأب كلاماً كثيراً. لم افهم ما يقولون ولكن يبدو ان الرعاة روَوا للأهل ما رأوا ليلا في الحقل بدهشة واستغراب. اختلف الحوار بينهم عما اعتدت عليه، اذ ركع الرعاة عند الطفل وطفقوا يرددون نفس الكلام الذي سمعوه من الملائكة وهو كلام عن مجد لله وسلام ومسّرة. لم اسمع للطفل بكاء خلال مكوثي هناك. قبل رحيل الرعاة ويعقوب اقترب الأخير مني وضمني اليه مودعاً. فهمت انه اهداني للعائلة. قبلت ذلك بمشاعر مختلطة اذ تركت اصحابي ولكني سأكون كما يبدو مع عائلة خاصة.
لاحقاً حضر جمع من الرجال والنساء بملابس ذهبية ومزركشة لزيارة الطفل الرضيع في البيت الذي انتقلنا اليه في بيت لحم. استرقت النظر من موضعي بقربه فرأيت كيف تواصل هؤلاء مع مريم ويوسف اذ ان لغتهم كانت غريبة وغير مفهومة. ولكني ايقنت من ايماءاتهم انهم يتحدثون عن نجم في السماء. وأعجب ما رأيت انّ مَثَلهم مَثَل الرعاة، هم ركعوا أيضا حيثما اضطجع الطفل. ولكن في الوقت الذي قدمني يعقوب هدية للعائلة، قدم هؤلاء الأثرياء النبلاء (وربما كانوا حتى ملوكاً) هدايا ثمينة لم ار مثلها في حياتي! من عسى يكون ذلك الطفل؟! يولد في اسطبل للحيوانات ولكن الملائكة تظهر لتنادي باسمه بأجمل الالحان ويأتي نبلاء ليقدموا له سجود وهدايا.
رافقت العائلة حتى اليوم لأسابيع طويلة وخلال هذه الفترة رأيت هدوء الام واحسست انها تحفظ كل الأمور العجيبة التي حدثت معهم في قلبها. سمعتها تتحدث مع يوسف (فهمت لاحقاً انه ليس زوجها وانما خطيبها فقط) عمّا قاله لهما شيخ اسمه سمعان عندما سافرا لأورشليم في اليوم الثامن للولادة، وكيف قال لمريم ان سيفاً سيجوز في قلبها. استغربت مما قاله لها يوسف ولكنها كانت نقطة تحول في حياتي. قال لها يوسف انه ربما قصد سمعان ان هذا السيف مرتبط بما فهم هو من سفر اشعياء ان ابن العلي سيقاد كشاة الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها.
سمعت ما قاله يوسف انه لربما كان ذلك الطفل الوديع هو ابن العلي وسمعان الشيخ ينبه امه مريم بأنها ستعاني لان الأشرار سيقتادونه كشاة للموت. ستتألم مريم وكأن سيفاً سيجتاز قلبها، عندما ترى ابنها يقتاد للذبح مثل الشاة.
سعدت ان ابن العلي هذا شبّه نفسه بالخروف – بجنسي انا. اختار هو ان يتشبه بالشاة مثلما تشبه بملك الغابة-الاسد. لم يتشبه بالنمر ولا الفهد ولا بأي من الحيوانات الأخرى. تحول حزني لاستهزاء الجميع بي، الى فخر وعزة. ابن العلي يتشبه بي! حتى لو اقتادوني للذبح، سأكون مشابها لابن العلي....ذلك الطفل العجيب في بيت لحم.