احتدم النقاش بين مؤيد ومعارض لإلغاء الاحتفالات بعيد الميلاد كاحتجاج على تصريح الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص القدس. وبرزت بين الأسباب التي أوردها معارضو الإلغاء الرغبة في الاحتفال والمتعة والفرح الذين يرافقانه وخاصة للأطفال.
ان موقفي هو مع المعارضين للإلغاء ولكن هذا ليس موضوع مقالتي. كما لن اتعمق في الفرق بين المتعة والفرح والنشوة. ولكن سأحاول سبر غور وتحليل قصد الناس عندما تتحدث عن الفرح والتمتع- ان كان في الأعياد وان كان في الرحلات أو الحفلات. فلقد اضحى اللهث وراء ما يشبع النفس ويريحها ويمتعها ضآلة الناس في عصرنا.
وهكذا ينتظر الناس العطلة (اذا كانت مقترنة بأحد الأعياد او بدونه) ليستريحوا او ليجدوا ما يظنونه سيشحن طاقاتهم ويلهيهم عن ضغوط ومتاعب الحياة.
ماذا يقصد المسيحيون حين يتحدثون عن الفرح الذي يعم الجميع عندما يطالبون مثلا بإبقاء الاحتفالات في عيد الميلاد في بلادنا على حالها؟
وهكذا نجد هذا الفرح او المتعة تتجليان في العيد في نواحي جسدية وأخرى نفسية على أكثر من صعيد.
فالراحة الجسدية تتجلي براحة الجسم من تعب الأيام العادية. انها تتجسد بقضاء ساعات نوم كافية وهادئة دون طائل ضغط أيام العمل الشاقة. كما انها تتجلى بالتمتع بالتهام الأكل الشهي.
اما الراحة النفسية فتتجلى بالانقطاع عن متاعب وضغط العمل والواجبات. وتتجلى ايضاً بما تراه من فرح الأطفال في العيد مما يثلج النفس. ان تجمع المعيّدين بأعدادهم الكبيرة في مسيرة او موكب او اضاءة شجرة لهو امر مفرح، اذ يشعر الانسان انه ينتمي لجماعة كبيرة تشترك معا بفرح عيد واحد.
ان الجو الاحتفالي في البيت وفي الشارع يرفع المعنويات هو الآخر. ان الملابس الجديدة والجميلة التي يلبسها الناس تضفي هي الأخرى جوا احتفالياً وهو مصدر النفسية الجيدة. معايدات الناس لبعضهم- وجهاً لوجه او الكترونياً- تمنح الناس شعوراً باهتمام الغير (مع انها اصبحت أغلبها ولحد كبير ميكانيكية) وهذا ايضاً يضيف للفرح النفسي.
لكن الانسان ليس جسداً ونفساً فقط وانما هو روح ايضاً فكيف "نتمتع" بالعيد اذاً دون تسديد الحاجة الروحية الانسانية؟
لقد خلق الله الانسان ووهبه من روحه وهذه الروح لا يملأها الا خالقها! ان هذا الفراغ في القلب لا يسدده الا من أوجده. ان الحداد هو من يصلح وعاء الحديد والنجار هو من يكمل الجهاز الخشبي.
ان فرصة عيد الميلاد هي فرصة لتسديد الحاجة الروحية- فردياً وجماعياً من خلال الخدمات والبرامج. انه وقت للتأمل بمعنى تجسد المسيح-الاقنوم الثاني. لقد ترك يمين العظمة واتى لأرض الشقاء ليدفع خطية الانسان وليوفي بمحبته عدالة الله التي استوجبت موتنا الابدي.
انه وقت للتأمل بأحداث الميلاد بدءًا بترقب الأنبياء والشعب لمئات السنين مروراً بقدومه الذي جمع تواضعاً ونبلاً وعجباً وانتهاء بمسيرة حياته الفريدة في الطريق لإتمام عمل الصليب.
انه وقت تأمل وصلاة وشكر وترنيم. انه وقت نتأمل باندهاش مرة أخرى سائلين: من يكون هذا؟ انها قصة مولود بيت لحم ابن الناصرة الذي علق على صليب العار بين مجرمين لأجلي ولأجلك.
ان تأملاً كهذا يملأ الروح ويكمل ما قد يسعد اجسادنا ونفوسنا في مثل هذا العيد.
كل عام وأنتم بخير.