كلنا نعلم أنَّ يسوع تأنس في الناصرة. جاء الملاك وخبـَّر العذراء المباركة عن مجيء السلام والعدالة والخلاص والدهر الآتي بولادة يسوع. وصارت معجزةُ المعجزات إذ تأنَّس الله. ولا أقول تجسَّد بل تأنَّس إذ صار الله بشرا ولم يأخذ جسدا فحسب. تأنَّس في الناصرة ولكنه وُلد في بيت لحم. وأُعلن عنه في حقول بيت ساحور. وناقش السياسيون خبـر ميلاده في قصور القدس. ولقد لفت نظري اعلانان، اعلان القدس واعلان بيت ساحور. وسأتحدث عنهما بإيجاز ، علّنا نتعلم دروسا تنفعنا بعد أن سمعنا عن ترامب في موسم الميلاد.
يتحدث الكثيـرون عن القدس في هذه الأيام. يريدها دونالد ترامب عاصمة لإسرائيل متجاهلا مئات الآلاف من سكانها الفلسطينيين وملايين آخرين. وقامت الدنيا وقعدت منذ الإعلان المشؤوم الذي تجاهل الحق والعدل وقوانين الأمم المتحدة. وفي أيام الميلاد الأول كان ثمة اعلان آخر من ملك آخر اسمه هيـرودس. ولا أقول أن ترامب هو هيرودس ولكن إعلانه زمن الميلاد يستحضر أمامنا اعلان هيـرودس. تجاهل هيـرودس اتفاق مندوبي الأمم أو المجوس الذين فرحوا برب العدالة والسلام وقدموا وقتهم وجهدهم وهداياهم لخدمته. أما هيـرودس فلقد امتلأ اعلانه بالغضب والتهديد وسحب الحماية والرعاية. يتشابه المتسلطون بردود أفعالهم فيغضبون ويهددون كل من لا يتفق معهم. ويتحوّل الغضب إلى قرار حرب ضد الأبرياء وضد الأطفال. وهكذا قتل هيـرودس مئات الأطفال في بيت لحم وضواحيها ومات أطفال بيت ساحور قبل ألفي عام لأن صاحب السلطة المتسلط أصدر قرارا ظالما بسبب اصراره على الحفاظ على امبراطورية أورشليم. فبدلا من استخدام المال والسلطة لنشر الحق والسلام قرر أن يستخدم كل قوته في محاربة الطفل يسوع. فجلب البؤس والبكاء والعويل بدلا من فرح الميلاد. لهذا علينا أن نحذر من استخدام السلطة والنفوذ بطريقة خاطئة. ويجب بذل كل جهد في ابعاد العناد والتكبـر عن السلطة. فعندما يجتمع الثلاثي النجس: التكبـر، والعناد، والتسلط يُولد البؤس والدكتاتورية والأسى للبشرية. أما يسوع فولد في مذود متواضعا وكان خاضعا وخادما. لم يأت ليُخدم بل ليخدم. إله الآلهة صار بشرا وملك الملوك لم يُولد في قصر بل في مذود، ولم يختـر أما غنية بل فتاة فقيرة في المال لم تستطع أن تجد مكانا في بيت لحم ولكنها غنيةٌ بتقواها وتواضعها.
بعد الحديث عن اعلان الملك الذي يريد أن يقيم مملكة أورشليم بالتسلط والظلم ونشر العويل والبكاء نستطيع أن نتحدث عن اعلان بيت ساحور الذي نشر الفرح والسلام. فمملكة أورشليم لن تُقام بالقتل والتكبـر والتسلط بل بالحب والتواضع والسلام. وفي بيت ساحور أصدرت الملائكة وثيقة مبشرة بالفرح وبانتهاء عصر الخوف وبإعلان تواصل السماء والأرض بالتسبيح وانتشار السلام على الأرض. إنها وثيقة لم يكتبها الملوك بل نطق بها الملائكة ودوَّنها عامة الشعب في ذاكرتهم وقلوبهم مؤكدين أن الله نصيرُ المظلوم ومخلص الخطاة. ولا ضير من اعطاء ملائكة بشارة الميلاد جنسية ساحورية. وتقول الوثيقة الساحورية "وُلد لكم اليوم في مدينة داود مُخلّص هو المسيح الرب". فإن كنت تعاني من الظلم ومن عذاب الضمير ومن اليأس ومن الخطيئة الفردية والخطايا الاجتماعية والسياسية والدينية والتطرف والعنف والعنصرية فإني أبشرك أنه وُلد لك مخلص يخلصك ويخلص كل من يأتي إليه إذ قال: تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم". وقد نقول أن فلسطين حملها ثقيل. ولكنني أبشركم اليوم أن يسوع المسيح هو رجاء فلسطين ومخلص العالم. شرّف بلادنا بميلاده فينا فلنكرم اسمه بنشر المحبة والسلام وباعترافنا أمامه بخطايانا وبتوبتنا عن كل شر وبطاعتنا لدرب التواضع والمحبة والسلام والعدالة التي تجسدت في ميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. كل عام وأنتم بخير.