أصوات كثيرة تسارعت في فكري، تريد أن تسبق قلمي ذا القدرة المحدودة، الأمر الذي أنتج تباطؤ في انسياب عباراتي مذكرا إياي بحالة قرانا ومدننا في هذه الأيام من انسداد في شوارعها وغيرها.
فكرت في نبوءة العهد القديم (أشعياء 9) عن ميلاد الرب يسوع: " ...لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام لا نهاية...وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر..." وفكرت أيضا بما قاله الرب يسوع في الناصرة: " روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر...إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم...ولم يُرسَل إيليا إلى واحدة منها إلا إلى أرملة صرفة صيداء. وبرص كثيرون كانوا في إسرائيل في زمان أليشع النبي، ولم يطهر واحد منهم إلا نعمان السرياني...فامتلأ غضبا جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا فقاموا وأخرجوه خارج المدينة...".
وُلد لنا "الولد" العجيب المشير، نعم، وجاء الذي مسحه الله ليشفي، ليفك الأسر، ليفتح العيون العمياء (والقلوب)، انتشرت مظاهر العيد في كل حانوت وفي كل مجمع تجاري، في ساحات القرى والبلدات، ومع ذلك مازال هناك الكثير الكثير من الأسر ومن العمى، من الجوع والرفض، الأذى والموت. نرى في العائلة من يضرب، يعتدي ويغتصب، ونرى في الشارع، المدرسة، المجلس، الحكومة، وحتى الكنيسة، من يسرق، يختلس، يظلم، ويسلب، يسلب حتى الحق بالابتسامة، بالنوم الهاديء والقلب المطمئن.
كيف لهذه الصورة أن تنطبق أو تطابق الصورتين أعلاه؟! وماذا لشهادة يسوع في الناصرة عن "أن الأمر تمَ اليوم" وربطه بأرملة بيت صيدا ونعمان السرياني؟ كيف تنطبق هذه الصورة البشعة الصعبة مع "لنمو رياسته وللسلام لا نهاية...وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر..." ما هي وأين هي مملكته (وهو خالق كل الكون) هل هي الأرض؟ هل هي أرض إسرائيل/فلسطين (حتى لا يستاء أحد فإن هدفي هنا ليس سياسا). وفي الصلاة الربانية وعندما يعلمنا يسوع نفسه أن نصلي ليأتي ملكوتك/ مملكتك هل يقصد بها مملكة جغرافية مع حدود أم يسوع يقول لنا، ولمسامع اليهود حينها (واليوم) مؤكدا رسالة الميلاد أن الله يحب الجميع سواسية، وأنه يريد أن نوره يصل إلى الجميع، المرأة الأرملة والرجل السرياني، اليهودي والفلسطيني، حتى تتم صورة مملكته التي يثبتها ويعضدها بالحق والبر لكل رجل ولكل امرأة، لكل عربي ولكل يهودي.
فأين أنت من الميلاد؟ هل في نور يسوع، عاملا في ملكوته لإظهار الحق، لفك المأسورين، لشفاء المنسحقين ولفتح أعين العميان وقلوبهم، أم في مملكة أخرى؟
كل ميلاد وأنت في النور، نور العالم، الذي جاء لينير القلوب
كل ميلاد وأنت خارج "أحب الناس الظلمة أكثر من النور..."