احدى أكثر التجارب الإنسانية اثارة هي ولادة طفل. فالجنس البشري ينقرض بدونه. وهي تشير لخلق حياة وانسان كامل بكل حواسه واعضائه من عقله وعينيه وكافة أعضائه الداخلية.
فاذا كانت ولادة انسان امر مثير للعجب والدهشة –فما بالك ولادة طفل هو انسان كامل ولكنه إله كامل اتى لأرضنا؟!
كنت تتوقع ان يولد ملك الملوك في عاصمة العواصم في ذلك الوقت- في روما القوة او أثينا الثقافة ولكنه لتواضعه اختار الصغرى بين مدن يهوذا ليعلمنا درساً في التواضع.
كنت تتوقع ان ينتظر عليّة القوم من السلطة السياسية والدينية ليرَوا الطفل يسوع ويقدموا هداياهم ولكن يسوع اكتفى في الرعاة البسطاء والأغيار المجوس الذين أتوا من بعيد.
وفي الوقت الذي تتوفر فيه وسائل الراحة والأمان لأي طفل فانه لم يوجد للطفل الفريد الذي لم ولن يولد مثله- مكان في أي منزل في بيت لحم فولد في مذود بين الحيوانات.
وفي الوقت الذي نقول للوالدين "مبروك" عند ولادة طفل فحري ان نقول لأنفسنا ولكافة الجنس البشري "مبروك" عند ولادة الطفل يسوع. فهي لحظة حاسمة في تاريخ البشرية- الله يتجسد بصورة انسان لكي نستقبل البركة.
ونقول للوالدين: "يربى بعزكم ودلالكم" وفي ميلاد يسوع نقول لأنفسنا: "سنربى نحن بعزه ودلاله". لقد افتقر ليغنينا نحن بفقره. لقد ترك عرش السماء وغناه ليأتي لأرضنا فقيراً فنصبح اولاداً للملك.
عادة نقول للأم:"الحمد لله على سلامتك". وهنا بولادة يسوع لا يمكن ان تشك بحدوث مكروه للام خلال الحمل والولادة فهو ابن العلي الذي حُبل بها من الروح القدس.
ويحضر الزائرون الهدايا للمرأة التي تنجب طفلا- منها الرمزي مثل الورد ومنها للاحتفال مثل الشوكولاتة ومنها العملي للطفل نفسه مثلا ملابس او طعام او حفاضات او أدوات حمام. اما في ميلاد يسوع- فالمعادلة اختلفت. الزوار يتساءلون ماذا يمكن ان تقدم لخالق كل الأشياء بكلمة قدرته. لا يمكن ان تقدم الا قلبك وخشوعك عند قدميه وهدايا تشير لجوانب من شخصيته الفريدة كما فعل المجوس.
يصلي عادة اهل الطفل لأجل نموه بصحة عقلية ونفسية وجسدية ونجاحه وسيره في مسار العائلة إذا كانت عائلة صالحة يشار لها بالبنان. اما إذا كانت عائلة طالحة فيتمنون سيره بعيداً عن محاورها. ان كلام المجوس والرعاة وسمعان الشيخ وحنة بنت فنوئيل عنه لم يترك شكّاً ان هذا الطفل مرسل من الله وسيخلص شعبه.
يسعى والدا طفل اعتيادي لتأمين راحة الطفل فيخصصون للطفل غرفة خاصة ويحرصون على إطعامه والعناية الفائقة به. لكن حالة الطفل يسوع-وهو ملك الملوك ورب الارباب- كانت مغايرة اذ اضطر الطفل يسوع ان يهرب مع والديه من بطش هيرودوس لاجئاً الى مصر. لا شك ان العناية الإلهية رافقته واستخدمت مريم ويوسف ليسددا حاجته، لكن بخلاف أطفال هم خليقته اضطر ان يعيش لاجئاً!
ينظر الناس الى ولادة طفل على انه استمرار مبارك للجنس البشري ويتنفسون الصعداء اذا ولد طفل بعد عقم اذ يرون انه سوف يحيي اسم عائلته ووالديه. عند ولادة يسوع اقام الله نسلا تدوم أيامه. انه المؤمنين باسمه من كل شعب وأمة ولسان على مر العصور. لقد اختطف لنفسه شعبا من قبضة ابليس. هللويا.
اثر ولادة ملك كهذا- لا يسعنا الا ان نقدم له اثمن كنوزنا وهي قلوب متواضعة تسلّم له دفة حياتنا ومواردنا واحلامنا.