© 2015 COME and SEE | RSS | Contact Us | Who Are We
Developed By: Yafita | Design By: Tony Bathich
-
January 19, 20182668 مشاهدةهل تنجو كنيسة الشرق من مصير كنيسة أوروبا؟ بقلم: بطرس منصور
من يتابع التغييرات العالمية يشهد انحسار المسيحية في أوروبا بحيث لا تعتبر قارة مسيحية بعد! فان نسبة المواطنين ممن يرتادون الكنيسة أيام الاحد قليلة للغاية وتتراوح ما بين 5%-15% في اغلبها (1) ومن هنا اضحى تأثير الكنيسة فيها هامشياً. لا يمكن لأي ان ينكر الاسس والقيم المسيحية التي بنيت عليهما الأقطار الأوروبية، ولكن حين أعطِىَ مواطنو تلك الأقطار حرية الاختيار، فان غالبيتهم العظمى عبّرت وللأسف: لا يهمنا امر الكنيسة، لا نأبه بها ولا بما يمكن ان تقدمه...
هل من خطر ان يكون مصير كنيسة الشرق مشابهاً لمصير كنيسة أوروبا؟
ان تحديد الإجابة هو امر معقّد، فتاريخ بلادنا وصيرورتها وديناميكية الحياة فيها مختلفة عمّا مرت به أوروبا من حربين عالميتين قبل اقل من مئة عام وتوغل فلسفات وانماط بالإضافة لتنوع الاثنيات والطوائف والتي تصارعت وزد على ذلك حالة الازدهار المنقطعة النظير في بعض دول أوروبا.
اما هوية العربي في بلادنا فهي مجبولة بطائفته بحكم السياق الشرقي وإثر كون المسيحيين بمثابة اقلية عددية. هذا قد يساهم في ان تحافظ الكنيسة على دورها المركزي او على الأقل يؤجل اضمحلاله. من الجهة الأخرى فان العولمة التي تجعل العالم قرية صغيرة وسهولة الاتصال والتأثيرات بين دولة وأخرى توحي بغير ذلك. ويصب بنفس التوقع المتشائم التيارات الفكرية السائدة في المجتمع في البلاد وطريقة المعيشة العامة واللذان يحاكيان ما تشهده أوروبا، مما قد يوحي ان مصير الكنيسة قد يكون مشابهاً لما حدث في أوروبا.
لقد توغلت التيارات الفكرية الفلسفية والعلمية وانتشرت كانتشار النار في الهشيم في أوروبا ومثلها في بلادنا من خلال التعليم الجامعي. فنظريات نشوء الكون والنشوء والارتقاء والنسبية والنقد العلمي وتيارات القومية واللا-أدرية والنسوية والالحاد وغيرها تجد لها حضناً دافئاً في بلادنا وبالذات بين المتعلمين علماً ان نسبتهم في ازدياد مطرد.
ولا يقتصر الامر على التيارات الفكرية الآخذة بالانتشار وانما ايضاً بطريقة التعاطي معها فاذا أرادت الكنيسة مخاطبتها لدرء خطورتها فهي تحتاج لخطاب انجيلي يتوجه للفكر بشكل مقنع ولا يتجنب الأسئلة العسرة التي يتم طرحها.
والتحدي الإضافي يتمثل في تغلغل وسائل الاتصال الالكترونية وفي طليعتها الهواتف الذكية التي تضع العالم بأكمله حرفياً في كف اليد مما يجعل منافسة الكنيسة معها شديدة للغاية. بسبب ذلك أصبح على الواعظ المحلي اليوم منافسة أفضل الوعاظ العالميين الذين يبثون عظاتهم. وعلى قائد التسبيح في الكنيسة والذي ترافقه آلة موسيقية واحدة ان ينافس قادة ترنيم موهوبين مدججين بجوقات موسيقية رفيعة المستوى. وأصبح الأعضاء يستبدلون العلاقات الكنسية بين الأعضاء بعلاقات افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي من وراء الهاتف الذكي.
هل للكنيسة أي رجاء في الغلبة في هذه المنافسة في الوقت الذي تمسكت هي فيه بما بحوزتها من آليات وأساليب ومضمون قديمي العهد، ولم تنتبه أن القطار البخاري المهترئ قد استُبدِل بقطار كهربائي عصري ومتطور وهو آيل للتو لترك المحطة؟
ان امل الكنيسة في البقاء في الحلبة وفي ان يعتبرها الشعب ذات دور وكلمة تستحق الالتفات اليها هو في الوسائل التالية التي تحتاج لشرح مطوّل:
1- تأهيل الخدام والشعب وتدريبهم بحيث يدرسون كلمة الرب بمثابرة والفلسفات بعقل مفتوح ومن منظار مسيحي متقدم.
2- تشكيل رؤيا للامتداد والوصول للناس بالبشارة بطرق خلاقة وجديدة. فهي فضلاً عن كونها تتميماً للإرسالية العظمى التي دعانا الرب لإتمامها تشكل وقوداً للكنيسة. فالوصول للناس بالبشارة يبعث الامل ويزيد الاثارة والحماسة في القلوب.
3- مواكبة العصرية والتقدم دون وجل بحيث تستعين الكنيسة بمهنية افراد شعبها فتستخدم الآليات الجديدة والمبتكرة للوصول للنفوس دون استثناء وليس التخلي عن شريحة معينة لقصور فيها.
4- يعاني العالم من التملق والتزلف والمراآة والعلاقات المزيفة. لذا فان كون الكنيسة حقيقية لمسيحها وبعلاقاتها بمحبة شديدة مضحية دون تجميل، يؤثر في الناس ويجذبهم اليها. ان العلاقات الحميمة والمحبة الباذلة جذابة لمن سئموا العلاقات السطحية ونبذوها.
5- تلطخ العالم بلوثة الانانية والمادية والمصالح الضيقة، فمن هنا يبهره بريق مواقف مغايرة. ان اتباع الكنيسة لوصية الرب بأن تحب الله وتحب القريب كنفسها يتوجب ان تترجم بعمل فعلي لأجل العدل وانصاف المظلوم ومساعدة الفقير. عندما تقف الكنيسة مثل تلك الوقفة، فإنها تستحق التقدير والاحترام وسيعطيها إياها العالم بوفرة وسيستمع لما تقول ولما تعرضه لأنه يتوق لمثل ذلك.
هل تستيقظ الكنيسة في اقطار الشرق وتنتفض وتتجدد فتبعد عنها شبح الوهن والشيخوخة الذي أصاب كنيسة أوروبا؟
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع