أنا بيلاطس حاكم اليهودية في السنوات 26 – 36 ميلادي في عهد طيباريوس قيصر. أكتب قصتي عن يسوع قبل انتحاري سنة 44 ميلادي، وبعد عزلي عن حكم اليهودية بأمر من الإمبراطور كاليجولا. لقد كتب نيقوديموس قصتي في إنجيله المنحول ولكنني أفضّل أن أسردها بنفسي. فدعوني أسرد لكم ما حدث معي عندما حاكمت يسوع الناصري.
لا أنسى حُلم زوجتي كلوديا التي تألمت كثيـرا من أجل يسوع الناصري. إنه كابوس وليس حُلما. ونحن الرومان نؤمن أن الآلهة تتكلم لنا بالأحلام. وهذا الحُلم رسالته واضحة وهو ليس من أدب الحزازير. ولقد استطاعت من خلال هذا الكابوس أن تعرف أن الناصري بارٌ وأنه يجب ألا يُحكم عليه بِشَّرٍّ. لقد حدثت هذه الأمور أثناء حُكمي على اليهودية زمن الفصح حين جاء إليَّ مجموعةٌ من رؤساء اليهود ليحدثوني عن خطر يُداهم روما، وعن ثورة محتملة. وأذكرُ كيف خرجت الجموع في أورشليم حاملة سُعف النخل في مظاهرة كبيـرة. صرخوا دون حياء معلنين يسوع الناصري ملكا على إسرائيل. كان الوقت غيـر مناسب للقضاء على هذه الثورة. فمن الأفضل عزل يسوع الناصري والقضاء عليه وحده بدلا من القضاء على ثورةٍ بأكملها ضد شعب بأكمله. ومعروف عن اليهود كثـرة تمردهم حتى أنَّ أورشليمَ عُرفت بالمدينة المتمردة.
حقا من الأفضل أن أتبع سياسة فرق تسد. ولقد عَلِمتُ أنَّ رؤساء اليهود يريدون التخلص من يسوع. ولحسن حظي وجدوا خائنا بين أتباعه. قالوا لي أن اسمه يهوذا ولقد باع الناصري بثلاثين من الفضة. وعلمت أيضا أن قيافا رئيس الكهنة قد قرر قتل يسوع. ولا شك أن قراره في مصلحة روما. ولهذا أذنت لهم أن يعملوا تحت ستار الليل ولكن بمراقبة عيون روما وبالخضوع لقبضتها الحديدية. فقبضوا على الناصري بمساعدة الخائن يهوذا ورؤساء اليهود وجند تَمَّ اعدداهم لهذا الأمر. وبعد محاكمته أمام حنَّان وقيافا ورؤساء الكهنة جاءوا به إليَّ.
كان صامتا أمام متهميه فتعجبت من صمته. كانت كلماته قليلةً ولكنها كشفت عن معرفته لما حصل في الكواليس إذ قال لي: "أمن ذاتك تقول هذا، أم آخرون قالوا لك عني؟". كانت زوجتي مُصِرَّةً أنه بارٌ ويجب عدم المساس به. لم استمع لصوتها وليتني فعلت. وبعد عدة ساعات جاءني يوسفُ الذي من الرامة ليطلب جسد النَّاصري. فبدون ذرة تردد أمرت بأن يُعطى الجسد عالماً أنَّه سيكرمه ويلفَّه بكتان نقي ويدفنه بقبـر جديد منحوت في الصخر. واعتقدت أنَّ قصة الناصري قد انتهت. ولكن جاءني رؤساءُ الكهنة مرة أخرى والقلق يُسيطر عليهم من إنسان ميت. وقالوا لي: "تذّكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمُر بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب: إنه قام من الأموات فتكون الضلالة الأخير أشر من الأولى" (متى 27: 63 – 64). آه!! متى سأنتهي من قصة هذا الناصري؟ لقد تعبت في محاكمته إذ أدنته وهو بار وتعبت في موته بسبب الزلزال واحتجاب نور الشمس والآن أتعب في قضية قبـره. فبعد أن أخذ يوسف جسده يريدون أن يحرسوا الجثة. فليكن لهم ما يريدون. ليضبطوا القبـر بالحرّاس والختم حتى ننتهي من هذا النَّاصري.
لم أتوقع أبدا أن أسمع عن النَّاصري مرةً أخرى في حياتي. فكلما اسمع عنه أشعر بخطاياي ورفضي للحق ولنصيحة زوجتي ولصوت الضمير. تعبت من هذا الناصري فإنه يذكرني بشرور قلبي، ولكنني في ذات الوقت اعترف أنني لم أقابل أحداً قط مثله، ولم أواجه قصة كقصته. والآن بعد انتهاء كل شيء سأنساه وسأستمر بالحياة. للأسف لم يتحقق مُرادي إذ علمت من العسكر أنهم فشلوا في حراسة جثة يسوع. واستغربت من استعطاف الكهنة الذين صمموا أن يقتلوا يسوع وفي ذات الوقت يطالبون بالعفو عن العسكر الذين فشلوا في حراسة جثة هامدة. ولم نستطع ايجاد السارق ولا الجثة بل يدَّعي الكثيـرون في أورشليم أنَّ النَّاصري قد قام من بين الأموات وأنه ظهر لكثيـرين. تقول بعض النساء أنَّ يسوع الحي لاقاهما. هل حقا قام يسوع المصلوب؟ من هو هذا النَّاصري؟ أيستطيع أحد أن ينتصر على صليب روما ومؤامرات يهود أورشليم؟ هل حقا غلب الموت؟ هل بزغ فجرُ بشرية جديدة في قيامة هذا النَّاصري؟ هل هو حي يسمع ويرى ويعمل؟ هل هو حقا الذي كان قبل تأسيس العالم وصار بشرا ومات من أجل خطايانا وقام من أجل تبريرنا؟ أحقا قام المسيح؟
كل عام وأنتم بخير