وجد قريب لي ملف على الانترنت صادر عن وزارة الداخلية لارقام افراد العائلات المسيحية في اسرائيل بحسب اسماءهم كما جاءت بالعبرية. وقام هذا القريب بوضع الملف على مجموعة واتسابية تجمعنا باقارب مشتركين. ورأسا اثار الملف فضول اعضاء المجموعة فبحث كل عن عدد افراد عائلته الموسعة، وكانت النتيجة أما فرح وزهو بالاعداد امام اقربائه او خجل من قليل عددهم وخلق الاعذار او هجوم على دقة المعلومات او قبول اضطراري وتسلح ببيت شعر السموأل القائل: "تعيرنا ان قليل عديدنا فقلت لها ان الكرام قليل".
احد اعضاء المجموعة معروف بانشغاله وندرة تفاعله في المجموعة. لكن الملف السحري جعله يستفيق من سباته ويسأل عن عدد افراد عائلته. اخرى تساءلت بنغاشتها المعهودة: " اليست هناك احصائيات للعائلات بحسب الوزن؟".
من جهتي اسرعت لفحص كم عدد دار "منصور" . عرفت ان الاسم يشمل "منصور الجش" (عائلتنا) و"منصور فسوطة" و"منصور الرامة" و"منصور الكهرباء" (وهي عائلات تحمل نفس اسم عائلتنا لكنها تشتهر بمحلات للادوات الكهربائية) و"منصور الموارنة" وغيرهم والذين لا تربطنا بهم اي صلة قرابة. رغم ذلك سعدت لأعرف ان عدد من يحملون بفخر اسم "منصور" كاسم لعائلتهم يصل الى 817 فردا. وزادت سعادتي عندما لفت احدهم نظري ان بعض افراد العائلة يكتبون اسمهم بالعبرية بشكل مختلف (بدل מנסור يكتبون מנצור)وعدد هؤلاء 88 فردا اضافيا، مما يجعل العدد الكلي 905. يا لسعدنا!
وضعت الملف على صفحة فيسبوك اديرها من عدة سنين وفيها اكثر من 13 الف مشترك. وكما توقعت اثار النشر اهتماما واسعا. وكانت الاعداد مفاجئة للعديد من المتصفحين الذين ادعوا ان النشر غير دقيق اذ هم "يعرفون" ان اعدادهم اكبر بكثير. كما ان اعدادا كبيرة اخرى دأبت على مشاركة (شير بالانجليزية) لائحة العائلات التي نشرتها اما على الملأ او بوضع اسماء افراد من عائلتهم على التعقيب، بحيث يلفت نظرهم للبوست نفسه. كما استلمت طلبات كثيرة جديدة للانضمام للصفحة. وكالمتوقع جاءت اسئلة من بعض المعقبين حول الاهداف وراء نشر هيئة حكومية لهذه الارقام وقد لمحوا لنظريات المؤامرة وسياسة "فرق تسد" متمثلة برغبة الحكومة صب وقود الاشتعال على نار التعصب الحمائلي او العائلي او لربما لكشف صغر العائلات المسيحية في البلاد فتزيد شعور الغربة والانكماش والانهزام بينهم....والله اعلم. لا علم لي بنوايا كهذه ولا اظنها حقيقية اذ ان الوزارة لم تنشره بشكل رسمي بل وجد مستترا في موقع غير شعبي واصلا هو ملف قديم من عام 2016.
على اية حال، لا مكان لاستنتاجات علمية من مجرد تعقيبات وردود فعل على معلومات كهذه. لكن بذات الوقت كشف الاهتمام الكبير وردود الفعل مناحي وتيارات بشكل حقيقي يمكن لنا الاشارة اليها. من هنا نشير الى بعض مميزاتنا الآنية كمسيحيين عرب في اسرائيل بعجالة كما يلي:
1- ما زال للعائلة مكانة هامة في مركبات هويتنا. هي اصلنا وهي مرجعيتنا. رغم التأثير الغربي وتياراته التي تضع الانسان وفرديته وخاصيته في المركز، غير ان انتماءنا العائلي ما زال هاما.
2- كمشتق مما جاء اعلاه، العائلة مهمة وبالتالي كلما زاد عدد افرادها فان انتماءنا هو ل"عزوة كبيرة" وما اقتباس لشعر السموأل والحديث عن الكيف لا الكم الا "قصر ذيل يا ازعر" او بكلمات الطف- تبرير وعزاء.
3-نظرا لصغر العائلات والاعداد يأخذ القول بان "المسيحيين شبكة" معنى اكبر فالترابط وعلاقات القرابة والنسب الممتدة تشجع الافراد بما يتعدى العائلة نفسها.
4- بشكل من الاشكال، يشير غضب البعض على ما تبين من عدد صغير من افراد العائلة الى ازمة هويتنا المبتورة في البلاد. انتماءاتنا المدنية والقومية مأزومة مما يقود لاهتمام بالغ بالانتماء العائلي.
5- اعدادنا كمسيحيين في البلاد قليل ويتجلى الامر بكبر العائلات بحيث ان عائلة واحدة هي عائلة "خوري" (وهي موزعة بين عائلات كثيرة لا تمت بصلة قرابة بينها) فيها سبعة آلاف فرد وتليها بفرق كبير عائلة حداد وافرادها الفي فرد والباقي اعدادهم تقل عن الالفين. تجسد هذه الارقام محنة مسيحيي الشرق عامة (فالحالة حتى اسوأ في الدول المجاورة) فيستمر النزيف البشري وتقل نسبة الحضور المسيحي فيه على الاقل عدديا.
لنتشجع ان الرب شبهنا بالملح وبالنور وليس بالرز والفضاء. اذ تكفي حفنة ملح فقط لتعطي للاكل طعما وتكفي حزمة نور لتضيئ في ظلمة دامسة فيرى من جلس فيها ملامح الطريق فلا يقع ويتعثر.
كن نورا وكن ملحا.