هناك فكر خاطئ شائع كثيراً بين بعض الأوساط المسيحية الإنجيلية عمّا يُسمّى بــــ الاختطاف السّري. ولقد نُشرت كتب عديدة وأُخرجت أفلام كثيرة عن هذا الاختطاف، التي اشتُهرت بسلسلة: «Left Behind» وهي تصف حالة الناس الذين لن يؤخذوا بالاختطاف السّري وسيبقون على الأرض، لكي يمرّوا في الضيقة العظيمة(1).
فما هو الاختطاف السّري؟ إنه الاعتقاد أن الرب يسوع المسيح سيأتي أولاً في مجيئه الثاني لاختطاف المؤمنين الحقيقيين به، وبشكل مباغت وسرّي. ويقدّم البعض صوراً غريبة لما سيحدث عند الاختطاف السرّي هذا. إذ يختفي المؤمنون فجأة من العالم، فتتعطّل أعمال كثيرة، وتحدث الاصطدامات العنيفة على الطرقات، وتهوي الطائرات، ويفقد الكثيرون أفراداً من عائلاتهم. فهل هذه الصور صحيحة؟
لكن، من أين أتت عقيدة الاختطاف السرّي؟ إنها انبثقت من افتراض التفسير التدبيري الخاطئ لنبوءة السبعين أسبوعاً في سفر النبي دانيال(2). وأيضاً للتفسير الخاطئ لنبوءة المسيح في بشارة متّى أصحاح 24، عن خراب أورشليم ودمار الهيكل والضيق العظيم الذي سيرافقهما(3). فما هو المقصود بالاختطاف؟ أن الله سيخطف كنيسته الحقيقية من هذا العالم، لكي يعود ويتعامل مع شعب إسرائيل في فترة السبع سنوات الأخيرة من العالم، ولينجّي الكنيسة من الضيقة العظيمة. وليحقق لشعب إسرائيل الوعد بالملكوت الأرضي. لكن ما هو تعليم العهد الجديد بخصوص الاختطاف؟
- لم تتحدث كلمة الله عن اختطاف سرّي بل عن سر الاختطاف أو سر تغيير الأجساد. قال الرسول بولس: «هوذا سرٌّ أقوله لكم لا نرقد كلّنا بل كلّنا نتغير في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير، فإنه سيُبوّق فيُقام الأموات عديمي فساد ونحن – أي المؤمنين الأحياء عند مجيء المسيح ثانية - نتغير»(4). واضح هنا أن تغيير الأجساد أو الاختطاف لن يكون حادثاً سرّياً، بل هو سرّ كشف عنه الرسول بولس، وأنه سيحصل عند البوق الأخير، أي عند مجيء المسيح ثانية.
- تحدّث الرسول بولس برسالته الأولى إلى تسالونيكي، في الفقرة الأخيرة من الأصحاح الرابع، لكي يعزّي المؤمنين الذين فقدوا أحباء لهم، فكتب قائلاً: «فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين. لأن الرّب نفسه بهُتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السّحب لملاقاة الرّب في الهواء»(5). هل هذا وصف لاختطاف سرّي؟ أم لما سيُرافق المسيح من مظاهر عند مجيئه ثانية؟ هتاف، صوت رئيس ملائكة، وبوق الله سوف ينزل من السماء، الأموات في المسيح يقومون أولاً، والأحياء الباقون يُخطفون جميعاً في السّحب لملاقاة الرّب في الهواء. وهو نفس الكلام الذي تحدث عنه الرسول بولس وأتيت على ذكره في الفقرة الأولى. جوهر الموضوع إذن أن الرسول بولس أراد تعزية المؤمنين بالتأكيد على مجيء الرب يسوع ثانية وقيامة الأموات، لا سيما أنه ختم قائلاً: «لذلك عزّوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام»(6).
- إذا تابعنا القراءة مباشرة في الأصحاح الخامس من نفس الرسالة، نجد أن الرسول بولس تحدّث أيضاً أن مجيء الرب ثانية هذا سيكون مباغتاً لسكان الأرض، فقال: «أن يوم الرب كلصٍ في الليل هكذا يجيء»(7). ثم عاد وأكّد للمؤمنين: «وأما أنتم أيّها الإخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص»(8). أي أن يوم الرب المباغت هذا لن يكون مفاجئاً بالنسبة للمؤمنين بالمسيح. ومن الملاحظ أن الرسول بولس هنا لم يتحدّث عن فاصل زمني سبع سنوات، يفصل بين ما سمّاه التفسير التدبيري بمجيء الرب للاختطاف، ومجيئه ثانية في يوم الرّب، والسبب لأن الحادثين هما حادث واحد.
لعلّ السؤال الآن: هل هناك تأكيد في العهد الجديد أنه يوجد مجيء واحد ثانٍ للرب يسوع المسيح وليس هناك مجيئان كما يقول التفسير التدبيري؟ لقد أجابنا الرسول بولس عن هذا السؤال الهام عندما كتب في رسالته الثانية إلى تسالونيكي قائلاً: «إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقاً، وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوّته(9)». واضح من هذه الآية أن الرسول بولس تحدّث عن مجيء ثانٍ واحد للرب يسوع المسيح. إذ سيدين الله عندها الأشرار، أما المؤمنون فسيعطيهم راحة عند استعلان الرب من السماء مع ملائكة قوّته. وهذا بالطبع يتضمن الاختطاف أو تغيير أجساد المؤمنين. وهنا نلاحظ أن الرسول بولس لم يتحدّث عن مجيئين للرب يسوع تفصل بينهما فترة زمنية، ولم يأت البتة على ذكر شعب إسرائيل وأن المسيح سيأتي من أجلهم. مع العلم أن التفسير التدبيري يعتبر أن استعلان المسيح هو حادث خاص بشعب إسرائيل فقط.
وفي نفس المنحى كتب الرسول بولس إلى تيطس قائلاً: «منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح»(10). ودعا الرسول بطرس المؤمنين لكي يكونوا في سيرة مقدّسة وتقوى، منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب(11). وبالمناسبة إن التفسير التدبيري يقول أن يوم الرب يتعلّق فقط بشعب إسرائيل، ولا علاقة له بالكنيسة. لكن لا أحد من الرسل الأوائل تحدّث عن هذا الموضوع أو أشار إليه. من هنا نستنتج أن مجيء الرب ثانية سيكون حادثاً واحداً وليس حادثين، وأن الاختطاف أو تغيير الأجساد للمؤمنين سيتمّان عند مجيء الرب يسوع المسيح ثانية في يوم الرب.
(1) الضيقة العظيمة: هي الاعتقاد أن العالم سيمر بفترة ضيق عظيم لمدة سبع سنوات بعد اختطاف الله للكنيسة الحقيقية. وسيكون الضيق خاصاً بشعب إسرائيل، وسيُعاني سكان الأرض جميعاً الذين سيبقون من الويلات التي ستقع على
العالم، لأنهم رفضوا رسالة الخلاص عندما قُدّمت لهم، قبل حادث الاختطاف السرّي.
(2) لقد فصل التفسير التدبيري خطأً الأسبوع السبعين الأخير من نبوءة النبي دانيال في الأصحاح التاسع، عن باقي الأسابيع التي تمّت. وذلك لكي يعود الله ويتعامل مع شعب إسرائيل كشعبه الخاص بعد اختطاف الكنيسة، ولمدة سبع سنوات. مع العلم أن الأسبوع الأخير قد تمّ بمجيء الرب يسوع المسيح، وتقديمه جسده كفارة عن الخطيّة، وإبطاله للذبيحة والتقدمة في الهيكل مرة واحدة وإلى الأبد.
(3) لقد فهم أيضاً التفسير التدبيري بشكل خاطئ ما تنبأ به الرب يسوع المسيح في بشارة متّى أصحاح 24 عن دمار الهيكل وخراب أورشليم، والذي تمّ عام 70 ميلادية على يد القائد الروماني تيطس. إذ يعتقد هذا التفسير أن نبوءة المسيح هذه تشير إلى الأحداث التي ستتم في نهاية الأيام بعد اختطاف الكنيسة، وخلال سبع سنوات الضيقة العظيمة.
(4) 1كورنثوس51:15-52.
(5) 1تسالونيكي15:4-17أ.
(6) 1تسالونيكي18:4.
(7) 1تسالونيكي2:5ب.
(8) 1تسالونيكي4:5.
(9) 2تسالونيكي6:1-7.
(10) تيطس13:2.
(11) 2 بطرس11:3ب-12أ.