كتبت سابقا عن رد فعل السيد ميشيل نويصري والد المغدور ووحيد اهله يوناثان الذي طُعن حتى الموت في الرينة الاسبوع الماضي.
فقد دفعه ايمانه بالمسيح ان يقبل المصيبة الشخصية بتسليمِ مؤمنٍ وبعدم تشكيكه بحق الله على أخذ روح ابنه ولا ان يطعن بصلاح الله. وقد كرر كلامه الذي يخترق مستويات الالم البشرية امام كل من زاره لتقديم التعزية (رغم ان العائلة رغبت بالا يكون هناك اخذ بالخاطر بالمفهوم المتعارف لاسبابهم الشخصية). ووجد من حضر لتقديم العزاء للاب الثاكل متلعثما او فاقدا للكلام ، انه هو مستقبِل العزاء. جئتَ وجعبتك المفترض ان تمتلئ بالتعزيات مثقوبة ولكنك ودعت الاب بتعزيات الروح القدس.
لا نسعى لتبجيل ذلك الاب رغم انه يستحق التقدير العميم، وهو اصلا يمقت تسليط الاضواء عليه لئلا يتعطل تمجيد المسيح الذي دفعه لمواقفه. لكن ما شاهدناه هو انه وبعد الاعلان عن ثقته بالرب كاله صالح، قدم امس اعلانا من نوع آخر !
فكعاداتنا في قرانا في مثل هذه الحالات، وفدت جاهة الصلح الى الرينة سريعا لحقن الدم بين عائلة مرتكبي الجريمة (عائلة سيّده) وبين عائلة نويصري.
ولقد انتشر فيديو حديث والد يوناثان مع جاهة الصلح على مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم. وقال والد المغدور لهم انه يغفر لقاتلي ابنه، ولا يريد منهم او من عائلتهم شيئا(!!) مشيرا الى عادة تقديم "العطوة"وهي بمثابة مبلغ من المال من عائلة القاتل لعائلة المقتول لحقن الدم واعلان الهدنة.
لقد واكب هؤلاء الرجال من جاهة الصلح عشرات حوادث القتل التي وللاسف تعج بها قرانا ومدننا. فقد تمرسوا في تليين الاجواء واستعراض العادات العربية التي تنادي بالصلح . كم عزفوا على وتر الدين والشهامة العربية ونجحوا وبشق الانفس بعد محاولات ومراحل عديدة تستمر لاشهر طويلة في مساعيهم في تهدئة الخواطر والوصول الى صلح عشائري يعيد الحياة الى مجاريها.
لكنهم لم يصادفوا في تجوالهم من صحاري النقب وبراريها الى قرى الجليل الاعلى الخلابة حالة كتلك التي في قرية الرينة. فدم يوناثان لم يجف بعد على قارعة الطريق حيث هاجمه ذاك بالسكين فارداه قتيلا. وفسر الوالد لاعضاء الجاهة ما يقوله الكتاب المقدس عن كل واحد منا وكيف جُبلنا بالخطية ونمارسها بشتى الوسائل وليس فقط بالقتل، وكيف اخفقنا جميعا ووقعنا فيها ولا مخلص لنا منها الا الفادي المخلص ابن الله عديم الخطية. لكن عبارة اخرى قالها الوالد استوقفتني ، ففي معرض حديثه لاعضاء لجنة الجاهة المصعوقين صرّح امامكم: "لا عدو لي"!
للعبارة المذكورة ابعاد ومستويات عديدة يمكن لكل منا ان يتبنى احدها، مما سيغيّر بالمجمل نمط حياتنا. فيما يلي سبعة منها:
كيف اسمح بأن يكون لدي عدو ، اذ سامح الرب كل المخطئين اليه ولم يعلنهم اعداء وبالذات اذ اسعى لاتشبه بسيدي؟
لماذا اعتبر نفسي افضل ممن اخطأ الي،ّ فكلينا خطاة ومن هنا لا مكان للعداوة بيننا؟
طلب الرب منا ان نكون صانعي سلام فكيف نجعل لنا اعداء؟
اذا اعتبرت اخي الانسان كخليقة الله اي المخلوق على صورته كشبهه، فكيف اجعله عدو...؟ اذا فعلت ذلك اكون كمن يتجرأ على محاربة الله!
هل من خطأ اقترفه احدهم ضدي يستحق عذاب عداوتي له، بما يشمله ذلك من ضغينة ومرارة؟
اليست الحياة اقصر من ان نقضيها في قطيعة وفي عداء مزمن بسبب مواضيع قد تبدو مهمة ولكنها في نهاية الامر تافهة ؟
اليس في توجه والد يوناثان، ما يصلح حال مجتمعنا فيزيل الضغائن ويصفي النوايا فيسعى كلٌ لأجل خير اخيه وفائدته؟