لم يغب عن عيون الانجيليين في العالم أجمع التوجه "المتحرر" الذي انتهجه الرئيس باراك أوباما في الأمور الاجتماعية الداخلية في الولايات المتحدة. فقد ساهم في اعتراف جارف بحقوق المثليين ودعم كبير لحق المرأة الحامل على جسدها حتى لو اقتضى الامر القيام بعمليات اجهاض. هذان الموضوعان يطعنان الايمان الإنجيلي المحافظ (وبالذات في جنوب الولايات المتحدة) في الصميم. وقد اثارت هذه السياسات حفيظة الانجيليين أينما كانوا وشعر الامريكان منهم بوجودهم تحت حصار.
لكن البديل الذي اختاروه لرئاسة بلدهم (وعملياً رئيس للدولة العظمى في العالم) - دونالد ترامب- فهو مقزز من نواحي مختلفة. فقد ضربوا عرض الحائط بكل القيم المسيحية الانجيلية التي تحث على التقوى والعفة (بمفهومها الإلهي الحقيقي النقي وليس كشكل خارجي اجوف) ودعموا رئيساً يتصف بالمجون وعلاقات عديدة معروفة مع مومسات. والامر على يقتصر على هذا الفجور ولكن ساكتفي به هنا. لقد فعلوا ذلك في سبيل ما رأوه كوسيلة للحصول على فائدة سياسية في تعيينات محكمة العدل العليا في أمريكا لقضاة محافظين ووعود مزعومة لترسيخ الحرية الدينية في البلاد والتي رأوها كآخذه بالاضمحلال. ولقد نظر كثير من الانجيليين حول العالم باستهجان للحلف الدنس بين ترامب وبين هذه الشريحة الكبيرة من الانجيليين البيض في أمريكا.
ولقد جاءت عبارة واحدة قالها الرئيس ترامب في الأيام الاخيرة لتعكس في محتواها ودلالاتها العواقب الوخيمة لهذا الاختلاط بين القسوس الانجيليين البيض ورعاياهم بالرئيس ترامب. فلقد دعى رئيس أمريكا اكثر من مئة من القسوس والقادة الانجيليين في أمريكا الى البيت الأبيض قبل عدة أيام. وقد استوقفتني جملة قالها لهم في كلمته التي سعى فيها لتشجيعهم لكي يحفزوا أعضاء كنائسهم ان يصوتوا لحزبه في الانتخابات البرلمانية المنعقدة في تشرين ثاني القادم. فقد قال: "ان انتخابات السادس من تشرين ثاني هي بمثابة استفتاء عام ليس عني وانما استفتاء عام حول دينكم. انه استفتاء حول حرية التعبير والتعديل الأول للدستور".
لا نستغرب الوصولية الترامبية التي تقوده لربط الايمان المسيحي الإنجيلي بتصويت او عدم تصويت البعض لاعضاء حزبه الجمهوري في انتخابات نيابية. فلقد اثبت مراراً وتكراراً انانيته واستعداده لفعل كل ما يلزم ليبقى في الحكم. ولكن ان يتجرأ ان يربط ذلك بالايمان المسيحي، وكأن ايماننا مرتبط بهذه الاجندة السياسية او تلك، فهذا ضرب من المحال!
ان صفاقة ترامب المعهودة ما كانت لتصل لوضع يقول فيه على رؤوس الاشهاد ان الانتخابات النيابية على ما فيها من عوامل شتى هي استفتاء على ايماننا المسيحي الإنجيلي! ان مساومة بعض القسوس الانجيليين عمّا ينادي به الانجيل في سبيل الربح السياسي الآني واستسلامهم لترامب تجعله يتفوه بتلك الترهات.
عندما يصبح من دعاهم الله للتبشير باسمه ورعاية الكنيسة مقاولي أصوات-فعندها يُنظر اليهم بهذه الصفة. ان من دعى ليترك صيد السمك ورعاية كنيسة المسيح لا يمكن ان يتحول لسياسي يساوم على قيم الملكوت. لكن من يسقط بذلك، يؤذي من ارسله فينظر اليه الناس كناشط سياسي لحزب. ولا يخفى ان السياسة تعني المقايضة والبيع والشراء والمساومات على حساب المبادئ فكيف يستوي هذا مع ذاك؟
ان ايمان بولس الرسول وزوينجلي ولوتر وكالفن وكرومويل وروى وتمان ومنيس عبد النور وجيمي كارتر - ليس في موضع امتحان ولا استفتاء من أحد. انه الايمان المبني على كلمة الانجيل الحية الى الابد. انه ايمان القديسين وملايين ممن اضطهدوا وقتلوا على مر السنين. رغم الجبلة الساقطة للبشر (وبضمنهم من لبسوا رداء التقوى وهي منهم براء) لكن ذلك لا يمس بامانة الله وبثبات الايمان به، ولا يمكن لمن اختلطوا بفاسد غير تائب مثل ترامب ان يغيّروا ذلك.