أراد شاول قتل داود. فهرب داود إلى أكثر من مكان وهرّب أباه وأمه إلى موآب. وأثناء هربه توجه داود إلى أخيمالك في نوب. وهي قرية قريبة من أورشليم. قد تكون العيسوية أو شعفاط بحسب بعض الباحثين، والله أعلم. لقد استقبل أخيمالك الكاهن داود وقدم له خبز الكهنة وأعطاه سيف جليات. ولم يعرف الكاهن أن داود هارب من شاول، بل اعتقد أنه في مهمة خاصة. علم دواغ الأدومي بالأمر وأخبر شاول الملك.
لقد تغير شاول وصار ملكا سفاحا. فقرر أن يبيد بيت أخيمالك بن أخيطوب. فدعا كل الكهنة أن يأتوا إليه وأتهمهم بالخيانة وأمر بقتلهم. خاف محاربو شاول أن يقتلوا كهنة الرب ولكن دواغ لم يفكر مرتين فقتل خمسة وثمانين كاهنا. ثم توجه شاول ورجاله إلى قرية نوب وحرموا القرية إذ قتلوا النساء والأطفال والرضع والماشية. ولم ينجو إلا أبيأثار بن أخيمالك.
يتكرر هذا المشهد الدموي عندما يتصرف الحكام والسياسيين المستبدين دون رحمة. ألم يقتلوا الرجال في كفرقاسم وذبحوهم بدم بارد في عيلبون وغزة والعراق ومصر والسودان وبلاد أخرى. يقتلون رجال الدين ويذبحون الأطفال والنساء الأبرياء دون مساءلة. ويوجه داود كلمات نبوية لهؤلاء القادة في مزمور 52 إذ يقول: لماذا تفتخر بالشر؟ لماذا تحب الشر أكثر من الخير؟ لماذا تتناسى دينونة الله؟ لماذا تنسى أنك ستموت وتقف أمام الديان؟ ثم يقول داود سأتكل عليك يارب وسط المذابح وسأطلب رحمتك عند سفك الدماء وسأتمسك بالرجاء فالكلمة الأخيرة لله. وشجرة الأشرار ستُقطع وتُستأصل من الأرض أما البار فمثل زيتونة خضراء إلى الدهر والأبد. لا تخف من مجازر السفاحين أكثر من خوفك من الله. ولا تظن أن الشر سيستمر إلى الأبد، بل ترجى رحمة الرب كل يوم. ليس خطأ أن نهرب من المذبحة كما هرب أبيأثار بن أخيمالك. ولكن يجب أن نفضح الاستبداد ونكتب عن المذابح التي نحرت الإنسانية وتعدت على حقوق الضعفاء. فتدوين تاريخ المستبدين ودراسته تأكيد على تمسكنا بالعدل وانصاف الضعيف ومحاربة الشر السياسي الدموي. لا تصمت يا أبيأثار بل اخبر داود بما حصل ولتُكتب الترانيم ونرنمها كما رنمنا مزمور 52 ونحن ننتظر ونعمل حتى يأتي ذلك اليوم الذي يزول فيه الشر ويسود فيه الرب.