كلب وبرغوث أشرف من الملك (1 صموئيل 24)
أصرّ الملك شاول أن يترك كل الأعداء وكل شؤون الدولة وكل هموم الشعب، وبدلا من ذلك يلاحق داود. لم يكن حكيما في التعامل مع كهنة الرب إذ ذبح كل كهنة نوب بدون سبب عادل وسفك دماء أطفالهم. واستخدم أموال الدولة وجيوشها ليلاحق داود من مكان إلى آخر دون جدوى. الواضح أن شاول مخطئ وضال ومستبد وأناني ومستغل للسلطة لنشر مملكته بدلا من مملكة الرب. وقد نصرخ قائلين لنتخلص منه ولنقضي عليه بأسرع وقت ممكن. ولكن داود تصرف بطريقة أخرى. فلنعيد رواية القصة لنكتشف موقف داود.
لقد علم شاول أن داود موجود في مكان محدد فأخذ ثلاثة آلاف جندي وذهب ليقبض عليه ويقتله. ويبدو أن الملك احتاج إلى العزلة لقضاء حاجته. يستخدم النص العبري להסך את רגליו أي ليغطي رجليه. والمقصود أنه يجلس القرفصاء ليقضي حاجته فيغطي ثوبه أقدام رجليه من الأمام. على أي حال، ذهب شاول إلى مغارة بعيدا عن جنوده.
كان داود مختبئا هو ورجاله داخل هذه المغارة. وألح الرجال على داود أن يقتل شاول ويتخلّص منه بعد كل هذا العذاب، إلا أن داود رفض اغتيال الملك بسبب إيمانه أن القرار لا يعظّم الله، بل يسيء إلى الرب. فضّل داود أن يتعب ويعان. فهو لن يقبل أن يسيء إلى الله وممثليه. اقترب داود بهدوء حيث كان شاول وقطع قطعة من قماش ثوب شاول الخارجي. يبدو أنه الثوب الخارجي (العباءة) كان مطروحا على الأرض.
عاد شاول إلى رجاله وعندئذ أعلن داود نفسه. وقال للملك أنا إنسان صغير الشأن مثل الكلب والبرغوث، فلماذا تترك كل الدولة وتلاحقني؟ لماذا تعتقد أنني ضدك؟ ألم يكن بإمكاني أن أقضي عليك اليوم عندما كنت في المغارة وعندما قطعت قطعة من ثوبك؟ وعلم شاول أن داود أبر منه وأنه لا يريد أن يؤذيه.
ربما نحاول الوصول إلى مبتغانا بطرق خاطئة لا تمجّد الله. والأسوأ أننا قد نضع أهدافا شريرة ثم نستخدم وسائل شريرة لتحقيقها. أما داود فلقد رفض أن يحقق الأهداف الصالحة بطرق شريرة. لقد أعطاه الله المملكة بشهادة صموئيل وبتأكيد إلهي. وحفظه الله. والآن وقع شاول بيده في الكهف. وشجعه رجاله أن يقتل شاول ولكنه صمم أن يحقق الأهداف الصالحة بطرق الله وليس بطرق إبليس. علينا لا أن نعرف مشيئة الله فحسب بل نعرف أيضا الطرق التي تتحقق بها هذه المشيئة. فالغاية لا تبرر الوسيلة، بل يجب أن تكون الوسيلة طاهرة تماما مثل الغاية. ولهذا صار داود الذي وصف نفسه بكلب وبرغوث أشرف من الملك الذي تحوّل إلى آلة لنشر العنف والشر.