يظهر للمتأمل بالمعارك الانتخابية للسلطات المحلية والبلديات (وما اصدقه من تعبير!) انها حرب عالمية طاحنة تمزق اواصل نسيج مجتمعنا. انها بمثابة جنازة حامية لكن الميت ليس كلب. هي تشمل صرف ميزانيات على الملصقات واللافتات والأعلام والإعلام ومساحات الاعلانات في الصحف والمواقع وتفعيل الجمهور في حملات توزيع مناشير واجتماعات انتخابية كبيرة وصغيرة في الساحات والبيوت وبيانات صحفية ومقابلات عبر الاثير والتحكم بالرأي العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي باخبار حقيقية لكن مضخمة وبصفحات مزيفة تنشر الاخبار الكاذبة بهدف التضليل وارباك الخصم واحراجه وغيرها.
ان "الجائزة" للفائز هي سلطة وقوة وميزانيات تحت تصرفه وامكانيات لتوظيف اقربائه ومقربيه و... خدمة سكان المدينة او القرية وتحسين الخدمات فيها وبالتالي رفع شأنها.
هل لايماننا الفردي كاتباع ليسوع ممن نتبع انجيلة اي تأثير على كيف نتعامل كسكان لهذه البلدات مع الانتخابات وهل لايماننا علاقة بالسؤال لمن سندلي بصوتنا وكيف نعبر عن رأينا وموقفنا فيها؟
قد يقول قائل ان الايمان وقناعتنا المؤسسة على الانجيل شئ، وكيف نشترك بالانتخابات المحلية شئ آخر. الاول مرتبط بايمان شخصي لاهوتي وربما فكري ووجداني والثاني امر من واقع الحياة على الارض وهما ضدان لا يلتقيا ومن هنا يتوجب فصلهما.
لكن هذا المنطق ابعد ما يكون عن الحقيقة. فايماننا يحكم تصرفاتنا وقناعاتنا تقرر قيمنا. وتصرفاتنا وقيمنا تحكم كيف نتصرف في شؤون الحياة كلها، بضمنها في الانتخابات.
باختيار رئيس السلطة المحلية عن طريق الانتخابات تتقرر جودة الحياة واولويات كل مدينة وقرية. هل اولوياتها فنون راقية ام سياحة ام تجارة ام صناعة ام تعليم ام وقف العنف وكيف يطبق هذا؟ هي تقرر لحد كبير الخطاب السائد. انها تؤثر على اللحمة بين الناس وعلى علاقاتهم عن طريق البرامج والفعاليات العامة المختلفة في الاعياد والمناسبات والاوقات الاخرى. هي تقرر هل يسود القانون ويطبق ام يحكم قانون الغاب؟
كما ان الانتخابات هي الوسيلة التي وضعتها السلطة في متناول يد المواطن ليقرر كيف تدار الشؤون المحلية لبلداته ومدنه. فمن هنا حري بالمؤمن ان يستغلها حتى من باب الخضوع لترتيب السلطات ولتأثيرها على الجو السائد الذي يؤثر على حرية العبادة وامكانية تفعيل الكنائس والهيئات الكنسية لبرامجها التي تكرّس رسالة الانجيل.
اننا نؤمن ان الانجيل يقدم الحياة الفضلى. اننا نؤمن ان الخدمة وتفضيل الغير عن النفس والغفران والتواضع والمحبة والامانة في العمل هي مقومات المجتمع الناجح والراقي بحسب ما اكده الانجيل. ومع معرفتنا بأن هذا لم ولن يتحقق على هذه البسيطة لسقوط الانسان وخطيئته، لكننا نسعى ليتحقق ولو بشكل جزئي في حياتنا رغم الجبلة الساقطة. اعتقد ان قولنا بأن كل الحكام والسلطات سيّان هو قول طفولي لا ينم عن فهم صحيح لمقاصد الله. ان الرب يهمه الا يحكمنا هولاكو او هتلر حتى وان كان ما يحكمنا على الارض في الحكومات والسلطات المحلية ليس كاملاً. ان من يحمل رائحة تلك القيم الكتابية الراقية من قادة مجتمعنا وبلادنا يسّر قلب الله حتى لو لم يكن مؤمناً. وحتى لو برز في بعض تلك القيم واخفق في غيرها فانه افضل ممن فشل في كلها وانعدمت تلك الرائحة والصبغة من شخصيته وادارته بالكامل. ان ملك الله على الارض يتم بواسطة هذه السيادة لما علّمنا اياه وبحضور ملكوته كما في السماء كذلك على الارض.
اذا كان الامر كذلك ، فكيف ينسحب من يتبع المسيح ليس قولاً فحسب، بل فعلاً من الانتخابات؟