تأملات من العهد القديم: رجال بنصف لحية (2 صموئيل 10)
مات ناحاش ملك عمون فجلس ابنه حانون على العرش. كان ناحاش سفاحا مخيفا. فقد هدّد أهل يابيش جلعاد باستعبادهم وتقوير كل عين يُمنى لهم وجعلهم عارا في إسرائيل. أراد إبطال قدرتهم على الحرب وحمل السيف والتـرس (1 صم 11: 1 – 2). ولكن الملك شاول أنقذهم من يده وصار شاول عدوا لناحاش مما سهّل تعاطف ناحاش مع داود. فعدو عدوي صديقي. ويبدو أن ناحاش صنع معروفا مع داود (2 صم 10: 2). فعندما مات ناحاش أراد داود أن يكرمه بسبب إحسانه فأرسل رجاله ليعزوا حانون بن ناحاش.
شكك حانون بنوايا داود ورجاله وظن أنهم يريدون أن يتجسسوا أرضه. لم يستثمر الوقت في دراسة شخصية داود وفحص تمسكه بعدم التعدي على من صنع معه معروفا. وقرر حانون إهانة رجال داود دون دليل. وقرر أن يتعدى على سفراء صديق أبيه وملك إسرائيل ويتغاضى عن حصانتهم الدبلوماسية وعن دوافعهم الإنسانية. أعمت السياسة ومخاوفها عيونه عن .إنسانية الآخر. وسيطرت كبرياء الإنسان فأعلن بتصرفه الحرب على صديق أبيه إذ حلق لحاهم. فهذا العمل إعلان أنهم فقدوا مكانتهم كرجال أحرار وصاروا عبيدا له لأن الإسرائيليين الأحرار كانت لحاهم طويلة. أراد داود بناء السلام ولكن حانون أعلن بتصرفه الحرب. وأذلّ حانون رجال داود وحلق نصف لحاهم وقص ثيابهم حتى ظهرت عورتهم. وكأنه يجبرهم على رثاء أبيه بجز لحاهم وقص ثيابهم (أشعياء 15: 12؛ ارمياء 41: 5)؛ ارمياء 48: 37) رغم أنفهم. ثم صرفهم ليـرى الجميع عارهم. وكان الرجال خجلين جدا فأقاموا في أريحا حتى نبتت لحاهم.
في كثير من المرات نعلن الحرب على الآخرين لأننا لا نعتبر تاريخ العلاقة بيننا ولا نستثمر الوقت لفهم دوافع الآخر ولأننا نستسلم للخوف وللمشورة السيئة. لقد رأينا كيف تحولت أحسن النوايا عند داود إلى أسوأ النتائج بسبب استسلام حانون إلى عقلية العداء. وربما ضلَّ حانون بسبب نجاح داود فشعر بالتهديد دون مبرر. وربما نضل نحن أيضا مثله. وربما نستسلم للتقاليد التي تُعلن العداوة بين الشعوب فنتجاهل الفرص في بناء علاقة طيبة. ونتمادى في إذلال الآخرين لنعلن تفوقنا وسلطتنا. ونهينهم في عُقر بيوتنا وفي أسوأ الأوقات. فماذا ستكون النتيجة؟ لقد غضب داود وقرر أن يحارب حانون وأن يدمر جيشه ومملكته. وهكذا فعل. كل هذا بسبب تصرف يخلو من الحكمة. إن القيادة التي لا تتحلى بالحكمة مثل قنبلة تنفجر وتقتل كل من حولها. فلنتمهل قبل اصدار الأحكام والبت في نوايا الآخرين.